حديث عبد الله بن بسر المازني 8

مستند احمد

حديث عبد الله بن بسر المازني 8

 حدثنا علي بن عياش، حدثنا حسان بن نوح، عن عمرو بن قيس، عن عبد الله بن بسر، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيان، فقال أحدهما: من خير الرجال يا محمد؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من طال عمره، وحسن عمله» ، وقال الآخر: إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا، فباب نتمسك به جامع؟ قال: «لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله»

حُسنُ العملِ مع طُولِ العُمرِ مِن الأُمورِ الَّتي يُغْبَطُ عليها صاحِبُها، وكذلك ذِكْرُ اللهِ له فضْلٌ عظيمٌ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ بُسرٍ المازنيُّ رَضِي اللهُ عَنهما: "جاء أعرابيَّانِ"، الأعرابُ هم ساكنو الصَّحراءِ، "إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال أحدُهما: يا رسولَ اللهِ، أيُّ النَّاسِ خيرٌ؟" أي: مَن أفضَلُ النَّاسِ حالًا؟ فدلَّهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على صِفاتِ مَن هو خيرُ النَّاسِ وأَماراتِه؛ فقال: "طُوبى"، وهي الجنَّةُ أو الجزاءُ الحَسنُ، "لمَن طال عُمرُه، وحَسُنَ عمَلُه"، أي: أفضَلُ النَّاسِ مَن طالَ عُمرُه؛ لأنَّه لا تمُرُّ به ساعةٌ إلَّا في طاعةٍ، وكلُّ طاعةٍ إصابةُ خيرٍ وفوزٌ بكلِّ حظٍّ دِينِي ودُنيويٍّ، فهو يَستَفيدُ بطُولِ عُمرِه في الزِّيادةِ مِن حَسناتِه، وبحُسنِ العَملِ مِن الطَّاعاتِ واتِّباعِ أوامرِ اللهِ ورسولِه، وهذا يدُلُّ على سَعادةِ الدَّارَين والفوزِ بالحُسنَيَينِ، "وقال الآخرُ: أيُّ العمَلِ خيرٌ؟ قال: أنْ تُفارِقَ الدُّنيا"، أي: أنْ تَستمِرَّ طولَ حياتِك إلى أنْ يأتِيَ الموتُ، "ولِسانُك رَطبٌ مِن ذِكْرِ اللهِ"، أي: غضٌّ طَريٌّ مِن ذِكْرِ اللهِ بداوِمْ ذِكْرِه سُبحانه وتعالى؛ مِن تَسبيحِه وتَحميدِه، ونَحوِ ذلك
وقدْ ذكَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أحاديثَ كثيرةٍ خيرَ النَّاسِ وشرَّ النَّاسِ ممَّن يتَّصِفون بصِفاتٍ أُخرى، وكذلك ذَكَرَ خيرَ الأعمالِ وشَرَّها، ولكنَّه في كلِّ حَديثٍ يُجيبُ بما يُراعي به حالَ السَّائلِ، أو بما يُعلِّمُ به أُمَّتَه مِن أحوالٍ مُتعدِّدةٍ يُمكِنُ أنْ يُوصَفَ فيها المرءُ بالخيرِ فيَزيدَ فيها، أو يُوصَفَ فيها بالشَّرِّ فيَحْذَرَ منها
وفي الحديثِ: الحثُّ على التَّزوُّدِ مِن الطَّاعاتِ كلَّما زاد العُمرُ
وفيه: أنَّ الزِّيادةَ في عُمرِ المُحسِنِ علامةُ خيرٍ، والزِّيادةَ في عُمرِ المُسيءِ علامةُ شرٍّ
وفيه: تَيسيرُ العِباداتِ في غيرِ الفَريضةِ على النَّاسِ، وإخبارُهم بما يُناسِبُ قُدراتِهم