حديث عروة بن أبي الجعد البارقي، عن النبي صلى الله عليه وسلم 7

مستند احمد

حديث عروة بن أبي الجعد البارقي، عن النبي صلى الله عليه وسلم 7

حدثنا أبو كامل، حدثنا سعيد بن زيد، حدثنا الزبير بن الخريت، حدثنا أبو لبيد، عن عروة بن أبي الجعد البارقي قال: عرض للنبي صلى الله عليه وسلم [ص:107] جلب، فأعطاني دينارا وقال: «أي عروة، ائت الجلب، فاشتر لنا شاة» ، فأتيت الجلب، فساومت صاحبه، فاشتريت منه شاتين بدينار، فجئت أسوقهما، أو قال: أقودهما، فلقيني رجل، فساومني، فأبيعه شاة بدينار، فجئت بالدينار، وجئته بالشاة، فقلت: يا رسول الله، هذا ديناركم، وهذه شاتكم. قال: «وصنعت كيف؟» قال: فحدثته الحديث، فقال: «اللهم بارك له في صفقة يمينه» فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة، فأربح أربعين ألفا قبل أن أصل إلى أهلي، وكان يشتري الجواري ويبيع،

الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ ذِرْوةُ سَنامِ الإسْلامِ، وقدْ سطَّرَ الصَّحابةُ رِضْوانُ اللهِ عليهم صفَحاتٍ مِن البُطولةِ في مَيدانِ الجِهادِ
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ جَعفَرِ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أرسَلَ جَيشًا في السَّنةِ الثَّامِنةِ مِن الهِجرةِ إلى مُؤْتةَ، وهي قَريةٌ مِن قُرى الشَّامِ، وكانت في جُمادى الأُولى سَنةَ ثَمانٍ، وسَببُها أنَّ شُرَحْبيلَ أحدَ أُمراءِ قَيْصرِ الرُّومِ قتَل رَسولًا أرسَلَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى صاحِبِ بُصْرى، فجهَّزَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليهم عَسكرًا في ثَلاثةِ آلافٍ، ولَقِيَهمُ الكفَّارُ في أكثَرَ مِن مائةِ ألْفٍ، وجعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَيدَ بنَ حارِثةَ رَضيَ اللهُ عنه قائدًا وأميرًا للجَيشِ، وقال: إنْ قُتِلَ زَيدٌ أوِ استُشهِدَ فأميرُكم جَعفَرُ بنُ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه، فإنْ قُتِلَ جَعْفرٌ أوِ استُشهِدَ فأميرُكم عبدُ اللهِ بنُ رَواحةَ، وهذا مِن تَرتيبِ أُمورِ الحَربِ إذا دَعَتِ الضَّرورةُ لذلك، فلمَّا لَقُوا العَدوَّ، أخَذ الرَّايةَ زَيدُ بنُ حارِثةَ رَضيَ اللهُ عنه، وأمسَكَ بها أمامَ جَيشِه، فقاتَلَ حتَّى قُتِلَ، ثمَّ أخَذ الرَّايةَ جَعفَرٌ رَضيَ اللهُ عنه أميرًا بعْدَه، فقاتَلَ حتَّى قُتِلَ، ثمَّ أخَذَها عبدُ اللهِ بنُ رَواحةَ رَضيَ اللهُ عنه، فقاتَلَ حتَّى قُتِلَ، فاستُشهِدَ القادةُ الثَّلاثةُ الَّذين حدَّدَهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفي الرِّواياتِ أنَّ الصَّحابةَ رَضيَ اللهُ عنهمُ اجتَهَدوا في أميرٍ يَخلُفُ هؤلاء الثَّلاثةَ، فأعْطَوُا الرَّايةَ لخالدِ بنِ الوَليدِ رَضيَ اللهُ عنه، وهنا ظهَرَت عَبقريَّةُ خالدِ بنِ الوَليدِ رَضيَ اللهُ عنه الحَربيَّةُ؛ فقدْ تقَدَّمَ فحارَبَ حتَّى فتَح اللهُ عليه؛ بأنْ خدَع العَدوَّ حتَّى لا يَهلِكَ جَيشُ المُسلِمينَ الَّذين كانوا ثَلاثةَ آلافٍ، بيْنَما جَيشُ الرُّومِ أكثَرُ من مِائتَيْ ألْفٍ بالعُدَّةِ والعَتادِ، فصَمَدَ خالدٌ رَضيَ اللهُ عنه وجَيشُ المُسلِمينَ أمامَهم بالمَكرِ والحِيلةِ والخَديعةِ، حتَّى رجَع جَيشُ الرُّومِ وانْسحَبَ، وهذا نَصرٌ وفَتحٌ
وأتى خبَرُ هذا الجَيشِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المَدينةِ، فخرَج إلى النَّاسِ وخطَب فيهم، فحمِدَ اللهَ وأثْنى عليه، وأخبَرَهم باستِشهادِ القادةِ الثَّلاثةِ: زَيدٍ، وجَعفَرٍ، وعبْدِ اللهِ بنِ رَواحةَ رَضيَ اللهُ عنهم جَميعًا، وقال: «ثمَّ أخَذ الرَّايةَ سَيفٌ مِن سُيوفِ اللهِ خالدُ بنُ الوَليدِ، ففتَح اللهُ عليه»، والمَعنى أنَّ اللهَ سَلَّهُ على المُشرِكينَ، وسلَّطَهُ على الكافِرينَ ليُجبِرَهم على الحقِّ، وقيلَ: أيْ هو في نَفْسِه كالسَّيفِ في إسْراعِهِ لتَنْفيذِ أوامِرِ اللهِ تعالَى، لا يَخافُ فيه لَومةَ لائمٍ
ثمَّ إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجَّلَ مَجيئَه إلى أهْلِ جَعفَرِ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه، وترَكهم يَبْكونَ جَعفَرًا ثَلاثَ ليالٍ، ثمَّ جاءَهم، فقال: «لا تَبْكوا على أخي بعْدَ اليَومِ أو غَدٍ»، أي:كُفُّوا عنِ البُكاءِ على جَعفَرٍ بعْدَ هذا اليومِ الثَّالثِ، ثمَّ طلَب منهم أنْ يُحضِروا له أبْناءَ أخيه جَعفَرٍ، وجَعفَرٌ رَضيَ اللهُ عنه ابنُ عَمِّالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأخوه في الرَّضاعةِ؛ أرضَعَتْهما ثُوَيْبةُ مَوْلاةُ أبي لَهَبٍ، وأبْناءُ جَعفَرٍ همْ: عبدُ اللهِ، ومحمَّدٌ، وعَونٌ، وأُمُّهم أسْماءُ بنتُ عُمَيْسٍ رَضيَ اللهُ عنها
قال عبدُ اللهِ بنُ جَعفَرٍ رَضيَ اللهُ عنهما: «فجِيءَ بنا كأنَّا أفرُخٌ»؛ والأفرُخُ: ما يكونُ من وَلَدِ الطَّيرِ الصَّغيرِ، ووَجْهُ تَشْبيهِه رَضيَ اللهُ عنه لهمْ بالأفرُخِ أنَّ شُعورَهم كانت صَغيرةً مِثلَ رِيشِ الطَّيرِ الصَّغيرِ، أو لأنَّهم كانوا ضُعفاءَ ويَبْدو عليهمُ التَّعبُ والنَّحافةُ، كأنَّهم أفْراخٌ فقَدوا مَن يُطعِمُهم ويَرْعاهم
فأمَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَأْتوا بالحَلَّاقِ ليَحلِقَ شَعرَ أبْناءِ جَعفَرٍ، قيلَ في ذلك: إنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمَّا رَأى أنَّ أمَّهم أسْماءَ بنتَ عُمَيْسٍ مُشتَغِلةٌ بالحُزنِ على زَوجِها عن تَسْريحِ شُعورِهم، فأشفَقَ عليهم مِن الوَسَخِ والقَمْلِ
ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أمَّا محمَّدٌ فشَبيهُ عمِّنا أبي طالبٍ، وأمَّا عبدُ اللهِ فشَبيهُ خَلْقي وخُلُقي»، وهذا مِن مُواساةِ النَّفْسِ بتَذكُّرِ شَبَهِ الأحبَّةِ، ثمَّ أخَذ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدِ عبْدِ اللهِ بنِ جَعفَرٍ، ورفَعَها ودَعا لأبْناءِ جَعفَرٍ، فقال: «اللَّهمَّ اخلُفْ جَعفَرًا في أهلِه، وبارِكْ لعبدِ اللهِ في صَفْقةِ يَمينِه -قالها ثَلاثَ مِرارٍ-»، وهذا كان مِن عادةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ أنَّه إذا دَعا دَعا ثَلاثًا، والمُرادُ بهذا الدُّعاءِ: أنْ يُبارِكَ اللهُ عزَّ وجلَّ لعبْدِ اللهِ في تِجارَتِه وبَيعِه وشِرائِه
ثمَّ أخبَرَ عبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ أُمَّهم أسْماءَ بنتَ عُمَيسٍ رَضيَ اللهُ عنها جاءت إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فذكَرَت له يُتْمَ أولادِ جَعفرٍ، «وجعَلَت تُفرِحُ له»؛ مِن أفْرَحَه: إذا غمَّه وأزالَ عنه الفرَحَ، والمُرادُ أنَّها ذكَرَتْ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُتمَ أوْلادِها، وثِقلَ مُؤْونَتِهم، وما ستَلْقاه مِن العَناءِ في تَرْبيتِهم، فأزالَ عنها الخَوفَ وأمَرَها ألَّا تَخافَ الفَقرَ وقلَّةَ المالِ؛ لأنَّه وَليُّهم في الدُّنْيا، فسيُنفِقُ عليهم ما دام حيًّا، وهو وَليُّهم في الآخِرةِ أيضًا، فهو لهمْ مُعينٌ وناصرٌ ومُحبٌّ، وسوْف يَشفَعُ لهمْ في الآخِرةِ عندَ اللهِ
وفي الحَديثِ: فَضيلةٌ ومَنْقَبةٌ لخالدِ بنِ الوَليدِ رَضيَ اللهُ عنه
وفيه: فَضيلةٌ ومَنْقَبةٌ لعَبدِ اللهِ بنِ جَعفَرٍ رَضيَ اللهُ عنهما
وفيه: أنَّ للمُسلِمِ سَدَّ خَلَلٍ يَراه مِن عَوْراتِ المُسلِمينَ إذا رَأى مَصلَحةً راجِحةً، وكان مُستَطيعًا لذلك