حديث عقبة بن عامر الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم 16
مستند احمد
حدثنا علي بن إسحاق، قال: أخبرنا عبد الله يعني ابن المبارك، قال: أخبرنا ابن لهيعة، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، قال: حدثنا أبو الخير، أنه سمع عقبة بن عامر، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مثل الذي يعمل السيئات، ثم يعمل الحسنات، كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته، ثم عمل حسنة، فانفكت حلقة، ثم عمل حسنة أخرى، فانفكت حلقة أخرى، حتى يخرج إلى الأرض»
فضلُ اللهِ وإحسانُه إلى خَلقِه واسِعٌ وعَظيمٌ، ومِن ذلك أنَّ الإنسانَ لمَّا كان كَثيرَ الخَطَأِ والزَّلَلِ جَعَلَ اللَّهُ تعالى مُكَفِّراتٍ لتلك الذُّنوبِ، ومِنها: التَّوبةُ؛ فاللَّه تعالى يَقبَلُ تَوبةَ عَبدِه إذا تابَ، ومِنها: أن يُكثِرَ الإنسانُ مِنَ الحَسَناتِ بَعدَ فِعلِه للسَّيِّئاتِ؛ فالحَسَناتُ يُذهِبنَ السَّيِّئاتِ، كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ} [هود: 114]
وهذا الحَديثُ تَمثيلٌ وبَيانٌ لذلك، فيَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ مَثَلَ الذي يَعمَلُ السَّيِّئاتِ -جَمعُ سَيِّئةٍ، وهيَ ما يَسوءُ صاحِبَه في الآخِرةِ أوِ الدُّنيا- ثُمَّ يَعمَلُ الحَسَناتِ، جَمعُ حَسَنةٍ، ويَدخُلُ فيها سائِرُ الأعمالِ الصَّالحةِ، والمَعنى: أنَّه يَعمَلُ الحَسَناتِ بَعدَ فِعلِه للسَّيِّئاتِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ، أي: مَثَلُ رَجُلٍ كانت عليه دِرعٌ -أي: مِن حَديدٍ، وهو كالقَميصِ يُلبَسُ حالَ الحَربِ ليُنجيَ صاحِبَه مِن ضَرَباتِ العَدوِّ- ضَيِّقةٌ قد خَنَقَته، أي: عليه دِرعٌ ضَيِّقةٌ، ومِن شِدَّةِ ضيقِها أنَّها قد خَنَقَته، أي: لَزِقَت به، حَتَّى عَصَرَت حَلقَه وتَرْقُوَتَه مِن ضيقِ تلك الدِّرعِ، ثُمَّ عَمِلَ حَسَنةً، أي: عَمِلَ حَسَنةً بَعدَ فِعلِ تلك السَّيِّئةِ فانفكَّت حَلقةٌ، أي: انحَلَّت وتَوسَّعَت حَلقةٌ مِن حِلَقِ تلك الدِّرعِ، ثُمَّ عَمِلَ أُخرى، أي: عَمِلَ حَسَنةً أُخرى، فانفكَّتِ الأُخرى، أي: انحَلَّت حَلقةٌ أُخرى مِن حِلَقِ تلك الدِّرعِ، حَتَّى يَخرُجَ إلى الأرضِ، أي: تَنفكُّ عنه الدِّرعُ حَتَّى يَسقُطَ على الأرضِ ويَخرُجَ ذلك الرَّجُلُ مِن ضيقِ تلك الدِّرعِ. والمَعنى: أنَّ عَمَلَ السَّيِّئاتِ يُضيقُ صَدرَ عامِلِه ورِزقَه، ويُحَيِّرُه في أمرِه، فلا تَتَيَسَّرُ له أُمورُه، ويُبغِّضُه عِندَ النَّاسِ، فإذا عَمِلَ الحَسَناتِ أزالَت حَسَناتُه سَيِّئاتِه، فإذا زالَتِ انشَرَحَ صَدرُه، وتَوسَّعَ رِزقُه، وتَيَسَّرَت له أُمورُه، وصارَ مَحبوبًا في قُلوبِ النَّاسِ
وفي الحَديثِ الحَثُّ على فِعلِ الحَسَناتِ بَعدَ فِعلِ السَّيِّئاتِ
وفيه رَحمةُ اللهِ تعالى وإحسانُه بخَلقِه
وفيه مَشروعيَّةُ ضَربِ الأمثالِ لتَقريبِ الفَهمِ للسَّامِعينَ