حديث عقبة بن عامر الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم 90
مستند احمد
حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا ابن مبارك، عن حيوة بن شريح، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر، فقال: " إني فرطكم، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه، ولست أخشى عليكم أن تشركوا - أو قال: تكفروا - ولكن الدنيا أن تنافسوا فيها "
الاغترارُ بالدُّنْيا، والتَّنافُسُ عليها؛ بابُ كلِّ شرٍّ، وأصْلُ كلِّ بَليَّةٍ
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي الصَّحابيُّ عُقْبةُ بنُ عامرٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صلَّى على شُهَداءِ أحُدٍ قُبَيلَ وَفاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فقدْ خرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى مَوضِعِ دَفْنِ شُهَداءِ غَزْوةِ أُحُدٍ، وتقَعُ تلك المَقبَرةُ بجِوارِ جَبلِ أُحُدٍ، وقدِ استُشهِدَ في تلك الغَزْوةِ سَبعونَ رَجلًا مِن أصْحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فصَلَّى عليهم بعْدَ ثَمانِ سِنينَ مِن مَوتِهم، ومَعْلومٌ أنَّ غَزْوةَ أُحُدٍ كانت في شوَّالٍ سَنةَ ثَلاثٍ منَ الهِجْرةِ، ووَفاتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في رَبيعٍ الأوَّلِ سَنةَ إحْدى عَشْرةَ
ثمَّ صعِدَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المِنبَرَ، وخطَب النَّاسَ، وقال لهم: «إنِّي بينَ أيْديكُم فَرَطٌ، وأنا عليكم شَهيدٌ، وإنَّ مَوعِدَكمُ الحَوْضُ»، أي: أنا سابِقُكم إلى الحَوضِ -وفيه إشارةٌ إلى قُربِ وَفاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- نَلتَقي عندَه يومَ القيامةِ، وأشهَدُ لكم بأعْمالِكم، «وإنِّي أَنظُرُ إليه مِن مَقَامي هذا» نَظَرًا حَقيقيًّا، كشَفَ اللهُ له تعالَى الحَوْضَ، فنظَرَ إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو مَجمَعُ ماءٍ عَظيمٌ، يَرِدُه المؤمِنونَ في عَرَصاتِ القيامةِ
ثمَّ ذكَر صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لا يَخْشى على هذه الأُمَّةِ الشِّركَ باللهِ، بأنْ يقَعَ الشِّركُ مِن جَميعِ الأُمَّةِ، فهذا لنْ يكونَ بإذْنِ اللهِ، ولا يَمنَعُ هذا وُقوعَ الشِّركِ باللهِ مِن بَعضِ أفْرادِ الأُمَّةِ، ولكنْ ما يَخْشاه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو التَّنافُسُ والتَّنازُعُ على أُمورِ الدُّنْيا؛ ولذا حذَّرَهم مِن ذلك التَّنافُسِ على الدُّنْيا ونَعيمِها الزَّائلِ
ويُخبِرُ عُقْبةُ بنُ عامِرٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في كلِّ ذلك كان كالمودِّعِ للأحْياءِ والأمْواتِ؛ فتَوْديعُه للأمْواتِ: أنَّه صلَّى عليهم، واستَغْفَرَ لهم، وهَنَّأَهم بما هُم فيه مِن سَبْقِهم للفِتَنِ، وتَوْديعُه للأحْياءِ: نَصيحَتُهم، وتَحْذيرُهم مِن الاغْتِرارِ بالدُّنْيا، وإشارَتُه إلى أنَّه مُنتَقِلٌ عنهم إلى الآخِرةِ، وأنَّه سابِقٌ لهم إلى الحَوْضِ؛ فهو مَوْعِدُهم، وكانتْ هذه آخِرَ مرَّةٍ رَأى فيها عُقْبةُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفي الحَديثِ: وَفاءُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصْحابِه الَّذين آزَروه، وسانَدوه في دَعوَتِه
وفيه: إشارةٌ إلى أنَّ الإنْسانَ قدْ يَشعُرُ باقْتِرابِ أجَلِه، ويكونُ ذلك تَمْهيدًا مِن اللهِ له
وفيه: مَشْروعيَّةُ مَوعِظةِ النَّاسِ، والخُطْبةِ على المِنبَرِ في أيِّ وَقتٍ