حديث البراء بن عازب 20
مستند احمد
حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا زائدة، حدثنا أبو جناب الكلبي، حدثني يزيد بن البراء بن عازب، عن البراء بن عازب، قال: كنا جلوسا في المصلى يوم أضحى، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم على الناس، ثم قال: «إن أول نسك يومكم هذا الصلاة» ، قال: فتقدم، فصلى ركعتين، ثم سلم، ثم استقبل الناس بوجهه، وأعطي قوسا، أو [ص:446] عصا، فاتكأ عليه، فحمد الله، وأثنى عليه، وأمرهم، ونهاهم، وقال: «من كان منكم عجل ذبحا، فإنما هي جزرة أطعمه أهله، إنما الذبح بعد الصلاة» فقام إليه خالي أبو بردة بن نيار، فقال: أنا عجلت ذبح شاتي يا رسول الله ليصنع لنا طعام نجتمع عليه إذا رجعنا، وعندي جذعة من معزى، هي أوفى من الذي ذبحت، أفتفي عني يا رسول الله؟ قال: «نعم، ولن تفي عن أحد بعدك» قال: ثم قال: «يا بلال» قال: فمشى، واتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أتى النساء، فقال: «يا معشر النسوان، تصدقن، الصدقة خير لكن» قال: «فما رأيت يوما قط أكثر خدمة مقطوعة، وقلادة، وقرطا من ذلك اليوم»
علَّمَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ واجباتِ الأعيادِ وسُننَها وآدابَها، ومِن ذلك كَيفيَّةُ ووَقتُ الصَّلاةِ يومَ الأضْحى، ووَقتُ ذَبْحِ الأُضحيةِ، وهي شَعيرةٌ مِن شَعائرِ الإسلامِ، وهي عِبادةٌ مُؤقَّتةٌ بوَقتٍ، لا تَجوزُ قبْلَه ولا بعْدَه
وفي هذا الحديثِ يَرْوي البَراءُ بنُ عازبٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه سَمِع النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَخطُبُ يومَ عِيدِ الأَضْحَى، فَبَيَّن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ هَدْيَه وسُنَّتَه في يومِ الأضحَى: أنْ يُبدَأَ أوَّلًا بصَلاةِ العِيدِ، ثمَّ يَأتيَ بعْدَ ذلك ذَبْحُ الأُضحيَّةِ، فمَن فعَل ذلك فقدْ أصابَ السُّنَّةَ، ووافَقَ طَريقتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وحَصَلَ له الأجرُ، وصَلاةُ العِيدِ تكونُ مِن غَيرِ أذانٍ ولا إقامةٍ، وذَبْحُ الأُضحيةِ يكونُ على القادرِ ذي السَّعةِ والاستِطاعةِ على شِراءِ أُضحيَّةٍ. وقيلَ: المُرادُ بالسَّعةِ هي أنْ يكونَ صاحبَ نِصابِ الزَّكاةِ؛ ليَتقرَّبَ بها إلى اللهِ عزَّ وجلَّ
ثمَّ بيَّن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن لم يَفعَلْ ذلك، فذبَح قبْل الصَّلاةِ؛ فإنَّه لا نُسُكَ له، ولا ثَوابَ له، ولا يصِحُّ ذلك منه عِبادةً وأُضحيةً، وإنَّما هو لَحمٌ قدَّمَه لأهْلِه، فقام أبو بُرْدةَ بنُ نِيَارٍ خالُ البراءِ بنِ عازبٍ رَضيَ اللهُ عنهما، فذكَرَ أنَّه ذبَحَ شاتَه قبْلَ الصَّلاةِ، وعلَّل ذلك -كما في رِوايةٍ للبُخاريِّ- بأنَّ يومَ الأضحَى يومُ أكْلٍ وشُربٍ، وأنَّه أحَبَّ أنْ تكونَ شاتُه أوَّلَ ما يُذبَحُ في بَيتِه، وأنَّه أكَلَ منها قبْلَ أنْ يَأتيَ إلى الصَّلاةِ، فأجابَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ شاتَه مُجرَّدُ شاةِ لحمٍ، ولا تَصِحُّ أُضحيةً، وليس فيها ثَوابُ النُّسُكِ. وفي هذا تَأكيدٌ على التَّرتيبِ في أفعالِ العِيدِ، وأنَّ الصَّلاةَ تَكونُ أوَّلًا، ثمَّ الخُطبةُ، ثمَّ الذَّبحُ والنَّحرُ
فذَكَرَ أبو بُردةَ أنَّه يَملِكُ شاةً «جَذَعةً» والجذَعةُ ما كانتْ دونَ السَّنةِ. وقيل: الإجذاعُ زمَنٌ وليسَ بسِنٍّ يَسقُطُ ولا يَنبُتُ؛ فالجَذَعُ اسمٌ لولَدِ الماعِزِ إذا قَوِيَ؛ فهو الآنَ لا يَملِكُ إلَّا جَذَعةً مِن المَعْزِ ولكنَّها عِندَه أفضلُ وأحبُّ مِن المُسنَّةِ؛ لكَثرةِ لَحْمِها، وغَلاءِ ثَمنِها، فرخَّصَ له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ذَبْحِ الجذَعةِ مِن المَعْزِ؛ لأنَّه لا يَملِكُ غيرَها، وأوْضَحَ له أنَّها تُجزِئُه وحْدَه خاصَّةً، ولا تُجزِئُ أحدًا بعْدَه مِن الأُمَّةِ. وفي هذا دَلالةٌ على أنَّ الجَذَعةَ مِن المَعزِ التي دُونَ السَّنةِ لا تُجزِئُ فى الضحايَا، ويُجزِئُ مِن المَعزِ الثَّنيُّ فما فوقَه، وهي ما تَمَّ له سَنةٌ ودخَلَ في الثانيةِ
وفي الحَديثِ: فَضيلةُ أبي بُردةَ رَضيَ اللهُ عنه
وفيه: أنَّ سُنَّةَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ التَّيسيرُ والتَّخفيفُ