حديث وائل بن حجر 24
مستند احمد
حدثنا عبد الصمد، حدثنا زائدة، حدثنا عاصم بن كليب، أخبرني أبي، أن وائل بن حجر الحضرمي، أخبره قال: قلت: لأنظرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف يصلي؟ قال: فنظرت إليه قام فكبر، ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرسغ والساعد، ثم قال: لما أراد أن يركع، رفع يديه مثلها ووضع يديه على ركبتيه، ثم رفع رأسه، فرفع يديه مثلها، ثم سجد، فجعل كفيه بحذاء أذنيه، ثم قعد فافترش رجله اليسرى، فوضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض بين أصابعه فحلق حلقة، ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها يدعو بها «، ثم جئت بعد ذلك في زمان فيه برد فرأيت الناس عليهم الثياب تحرك أيديهم من تحت الثياب من البرد»
الصَّلاةُ عِمادُ الدِّينِ، ورُكنُ الإسلامِ الرَّكينُ، وقد علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَيفيَّتَها وآدابَها، وكلَّ ما يَتعلَّقُ بها
وفي هذا الحَديثِ يَصِفُ الصحابيُّ الجليلُ وائلُ بنُ حُجْرٍ رضِيَ اللهُ عنه صلاةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حيثُ قالَ: "قُلتُ: لَأنظُرَنَّ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كيف يُصلِّي"، فعزَمَ في نَفسِه أنْ يُراقِبَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في صَلاتِه، ويَحفَظَ عنه كَيفيَّتَها، "فنظَرْتُ إليه، قَامَ فكبَّرَ"، وهي تَكبيرةُ الإحرامِ، وفي رِوايةٍ لأحمَدَ تُوضِّحُ أنَّه اتَّجَهَ إلى القِبْلةِ، فكبَّرَ ورفَعَ يدَيْه، وظاهِرُ هذه الرِّوايةِ أنَّ رَفْعَ اليدَيْنِ يكونُ معَ التَّكبيرِ ومُقارِنًا له، قال وائلٌ رضِيَ اللهُ عنه: "حتَّى حاذَتا بأُذُنَيْه"، فكانتْ يَداه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُساوِيَتَينِ عندَ رَفعِها لمُستَوى الأُذُنَينِ لا تَعْلو ولا تَنخَفِضُ عنها، "ثمَّ وضَعَ يَدَه اليُمنى على كفِّه اليُسْرى والرُّسْغِ والسَّاعدِ"، وكفُّ اليَدِ هو راحةُ اليَدِ معَ الأصابعِ، والرُّسْغُ هو: مَفْصِلُ ما بيْنَ الكفِّ والذِّراعِ، وقيلَ: هو مَفصِلُ ما بينَ السَّاعدِ والكفِّ، والسَّاعِدُ: هو ما بينَ المِرْفَقِ والكفِّ، والمَعنى أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وضَعَ يَدَه اليُمْنى على كفِّ اليُسْرى، ورُسْغِها، وساعِدِها، وذلك بأنْ يَكونَ وسَطُ كفِّه اليُمنى على الرُّسغِ، فيَلزَمُ منه أنْ يَكونَ أصْلُ الكفِّ على الكفِّ، والأصابعُ على السَّاعدِ. ثم قال وائلٌ رضِيَ اللهُ عنه: "لمَّا أرادَ" النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "أنْ يركَعَ رفَعَ يدَيْه مِثلَها"، أي: رفَعَ يدَيْه مِثلَ رَفعَتِه الأُولى عندَ الإحرامِ، وهي الرَّفعُ إلى الأُذنَينِ، "ووضَعَ يدَيْه على رُكبتَيهِ"، فوضَعَ الكفَّينِ والأصابِعَ على الرُّكبتَينِ، "ثمَّ رفَعَ رأسَه" مِن الرُّكوعِ، "فرفَعَ يدَيْه مِثلَها" أى: مِثلَ رَفعَتِه السَّابقةِ إلى مُحاذاةِ الأُذنَينِ، "ثمَّ سجَدَ، فجعَلَ كفَّيْه بحِذاءِ أُذنَيْه"، يَعني: أنَّه وضَعَ رأسَه بينَ يدَيْه مُحاذِيَتَينِ لأُذنَيْه مِثلَما فعَلَ عندَ الإحرامِ، "ثمَّ قعَدَ، فافترَشَ رِجْلَه اليُسْرى"، بأنْ وضَعَها على الأرضِ، وجعَلَها كالفِراشِ له يَجلِسُ عليها، "فوضَعَ كفَّه اليُسْرى على فَخِذِه ورُكبَتِه اليُسْرى"، أي: وضَعَها بحيث صارَت بعضُ كفِّه على فَخِذِه، وبعضُها على رُكبَتِه اليُسْرى، "وجعَلَ حدَّ مِرفَقِه الأيمَنِ على فَخِذِه اليُمْنى"، والمُرادُ: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وضَعَ طرَفَ مِرْفَقِه الَّذي مِن جِهةِ الكفِّ على عَظْمِ فَخِذِه، والمِرْفَقُ مَفْصِلُ الذِّراعِ في العَضُدِ، والفَخِذُ ما بينَ السَّاقِ والرُّكْبةِ إلى الوَرِكِ، "ثم قبَضَ بينَ أصابِعِه"، وفي رِوايةِ النَّسائيِّ: "ثمَّ قبَضَ اثنَينِ مِن أصابِعِه"، وهما الخِنْصَرُ والبِنْصَرُ، "فحلَّقَ حَلْقةً" مِن التَّحليقِ، أي: جعَلَ الإبهامَ والوُسْطى مِثلَ الحَلْقةِ، "ثمَّ رفَعَ إِصبَعَه فرَأيْتُه يُحرِّكُها يَدْعو بها"، أي: السَّبَّابةِ؛ لِما في رِوايةٍ أُخرى: "وأشارَ بالسَّبَّابةِ، يَدْعو بها"، فيُشيرُ بها في التشَهُّدِ الذي هو دُعاءٌ وتَضرُّعٌ للهِ تَعالى، وفي الإشارةِ بالسبَّابةِ رَمزٌ وإشارةٌ إلى وَحْدانيَّةِ اللهِ عزَّ وجلَّ. وتَحريكُ الإصبَعِ قد جاء في بعضِ الرِّواياتِ، فأخَذَ به قَومٌ، إلَّا أنَّ جمهورَ العُلماءِ لم يَأخُذوا به؛ لِخُلوِّ غالبِ الرِّواياتِ عنه؛ لأنَّ جُمهورَ الصَّحابةِ الَّذين نَقَلوا صَلاتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يُثبِتوها، معَ دِقَّةِ وَصفِهم لصَلاتِه، وقالوا: إنَّ وائلَ بنَ حُجْرٍ إنَّما رَآه في بعضِ الأوقاتِ، كما يدُلُّ قولُه: "لأَنظُرَنَّ إلى صَلاةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، ثمَّ وصَفَ صَلاتَه، فقال: "فرَأيْتُه يُحرِّكُها"، أي: في ذلك الوَقتِ؛ فدلَّ على أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَمِلَ به في بعضِ الأوقاتِ، لا مُطلَقًا. قال وائلٌ رضِيَ اللهُ عنه: "ثم جِئْتُ بعْدَ ذلك في زمانٍ فيه بَردٌ، فرأيْتُ الناسَ عليهم الثيابُ تَحَرَّكُ أيدِيهم مِن تحتِ الثيابِ مِن البَردِ"، والمَعنى: أنَّهم مِن شِدَّةِ البَردِ كانت عليهم الثيابُ ليَستَدفِئوا بها، وكانوا يُحرِّكونَ أيديَهم عندَ تَنقُّلاتِهم في الصلاةِ مِن تحتِ تلك الثيابِ. وعلى هذا فالحَديثُ مُشتَمِلٌ على وَصْفٍ لصلاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حالةٍ مِن حالاتِه، ورَآه فيها الصَّحابيُّ الجَليلُ وائلُ بنُ حُجْرٍ، فنقَلَ ما رَآه، وقد نُقِلَت صِفةُ صَلاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن كَثيرٍ مِن الصَّحابةِ، وفيها بَعضُ اختِلافٍ عن هذه الرِّوايةِ كما بُيِّنَ في الشَّرحِ
وفي الحَديثِ: حِرصُ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم على نَقلِ صِفةِ الصَّلاةِ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ