ذكر الآثام المتولدة عن شرب الخمر، من ترك الصلوات، ومن قتل النفس التي حرم الله، ومن وقوع على المحارم 1
سنن النسائي
أخبرنا سويد، قال: أنبأنا عبد الله، عن معمر، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن أبيه قال: سمعت عثمان رضي الله عنه يقول: " اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم تعبد، فعلقته امرأة غوية، فأرسلت إليه جاريتها، فقالت له: إنا ندعوك للشهادة، فانطلق مع جاريتها فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك للشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي، أو تشرب من هذه الخمرة كأسا، أو تقتل هذا الغلام، قال: فاسقيني من هذا الخمر كأسا، فسقته كأسا، قال: زيدوني فلم يرم حتى وقع عليها، وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر، فإنها والله لا يجتمع الإيمان، وإدمان الخمر إلا ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه "
الخَمرُ أصلُ الشُّرورِ ومنبَعُها، وأمُّ الخبائثِ، حرَّمها اللهُ سُبحانَه وتعالى على العبادِ؛ لأنَّها تُؤدِّي إلى مفاسدَ كثيرةٍ؛ فضرَرُها لا يَقتصِرُ على شاربِها فقط، بل يتعدَّى إلى غيرِه
وفي هذا الحديثِ يقولُ عُثمانُ بنُ عفَّانَ رَضِي اللهُ عَنه: "اجتَنِبوا"، أي: لا تقرَبوا، "الخَمْرَ"، وهي الَّتي تُخامِرُ العَقْلَ وتذهَبُ به؛ "فإنَّها أمُّ الخبائثِ"، أي: أصلُ الشُّرورِ، ويتولَّدُ منها جميعُ المنكَراتِ، ثمَّ ذكَر عُثمانُ رَضِي اللهُ عَنه مثَلًا يُبيِّنُ ما فيها مِن خَبَثٍ يُوقِعُ شاربَها فيما هو أشَدُّ تحريمًا: "إنَّه كان رجُلٌ ممَّن خَلَا قبْلَكم"، أي: في الأُمَمِ السَّابقةِ، "تعَبَّدَ"، أي: كان مِن أهلِ العبادةِ وأوقَفَ نفسَه عليها معتزِلًا بذلك للنَّاسِ، "فعَلِقَتْه"، أي: أحبَّتْه وتعلَّقَتْ به، "امرأةٌ غَوِيَّةٌ"، أي: غاويةٌ، ومنهمِكةٌ في الذُّنوبِ والمعاصي والضَّلالِ والكبائرِ مِن الزِّنا وغيرِه، "فأرسلَتْ إليه"، أي: إلى هذا الرَّجلِ العابدِ النَّاسكِ، "جاريتَها"، أي: لتدعوَه إليها، فقالَتِ الجاريةُ للرَّجلِ: "إنَّا نَدْعوك للشَّهادةِ"، أي: تعلَّلَتْ له بما يُخرِجُه عن مَقامِه كذِبًا وزُورًا، "فانطلَق مع جاريَتِها"، أي: تبِعَها ليقضيَ لها حاجتَها، حتَّى دخَل بيتَ المرأةِ الغاويةِ، "فطفِقَتْ كلَّما دخَل بابًا أغلقَتْه دونَه"، أي: شرَعَتِ الجاريةُ في غَلْقِ الأبوابِ خَلْفَه؛ لِتَمنَعَه إن أراد الخروجَ، "حتَّى أفضى إلى امرأةٍ وضِيئةٍ"، أي: بلَغ ووصَل إلى حُجرةٍ بها امرأةٌ جميلةٌ وحسناءُ، "عندَها غلامٌ"، أي: وبحجرتِها صبيٌّ صغيرٌ خادمٌ لها، "وباطِيَةٌ"، أي: إناءٌ عظيمٌ مِن خَمرٍ، فقالت له المرأةُ: "إي واللهِ، ما دعَوْتُك للشَّهادةِ"، أي: لم نَطلُبْكَ لكي تشهَدَ على شيءٍ، "ولكن دعَوْتُك لِتقَعَ علَيَّ"، أي: تَزنيَ بي، وتفعَلَ الفاحشةَ معي، أو "تشرَبَ مِن هذه الخَمرةِ كأسًا"، إذا لم تقبَلْ وتوافِقْ على الزِّنا، "أو تقتُلَ هذا الغلامَ"، إذا لم توافِقْ على الزِّنا أو شُرْبِ الخَمرِ
قال الرَّجلُ: "فاسقِيني مِن هذا الخمرِ كأسًا"؛ لأنَّه يظُنُّ أنَّ شُربَها أخفُّ الأضرارِ والذُّنوبِ، "فسَقَتْه كأسًا"، أي: وافقَتْ له على طلَبِه، قال الرَّجلُ: "زِيدُوني"، أي: أعطوني مَزيدًا مِن الخَمرِ أشرَبُه، "فلم يَرِمْ"، أي: لم يَبرَحْ، ولم يَزَلْ هذا الرَّجلُ يشرَبُ مِن الخمرِ، "حتَّى وقَع عليها"، أي: زنَى بالمرأةِ، "وقتَل النَّفْسَ"، أي: قتَل الغلامَ الَّذي كان عند المرأةِ، قال عُثمانُ رَضِي اللهُ عَنه: "فاجتَنِبوا الخمرَ"، أي: مِن أجلِ ذلك اجتَنبوها ولا تقرَبوها؛ لأنَّها تُفضِي بشاربِها إلى ما هو أعظمُ وأشَرُّ منها بتغييبِها للعقلِ؛ "فإنَّها"، أي: فإنَّ الحالَ والشَّأنَ "واللهِ، لا يجتمِعُ الإيمانُ"، أي: في قلبِ عبدٍ، "وإدمانُ الخمرِ"، أي: وهو مدمِنٌ للخمرِ لا يستطيعُ أن يُقلِعَ عن شُربِها، "إلَّا لَيُوشِكُ"، أي: يقرُبُ، "أن يُخرِجَ أحدُهما صاحبَه"، أي: إمَّا أن يُخرِجَ الخُمرُ الإيمانَ إن لم يتُبْ مِن شُربِه، أو يُخرِجَ الإيمانُ إدمانَ الخمرِ إن تاب وأقلَع عنه، ولكن لا يَبقى أحدُهما مع الآخَرِ، ولا يجتمعانِ في قلبِ عبدٍ
وفي الحديثِ: أنَّ الخمرَ منبَعُ الشُّرورِ
وفيه: التَّنبيهُ على سدِّ الذَّرائعِ
وفيه: أنَّ الإيمانَ وإدمانَ الخمرِ لا يجتَمِعانِ في قلبِ العبدِ
وفيه: أنَّ الإيمانَ يضعُفُ بشُربِ الخَمرِ