ذكر الروايات المغلظات في شرب الخمر 1
سنن النسائي
أخبرنا عيسى بن حماد، قال: أنبأنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر شاربها حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن»
المسلِمُ قدْ يَرتكِبُ كَبيرةً مِن الكبائرِ ثمَّ يَتوبُ منها، واللهُ سُبحانَه وتعالَى يَغفِرُ في الدُّنيا الذُّنوبَ جَميعًا، ومنها الكبائرُ والشِّركُ، فلو ارتكَب المسلِمُ مَعصيةً، مهْما بلَغَت؛ فإنَّ اللهَ تعالَى يَتوبُ عليه، ويَمُنُّ عليه بالغُفرانِ
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ المُؤمِنَ حالَ إتيانِه كَبيرةً مِن الكبائرِ لا يتَّصِفُ بصِفةِ الإيمانِ، بلْ إنَّ الإيمانَ يُنزَعُ منه وهو يَرتكِبُ هذه الكبيرةَ، فمَن زَنى، أو سرَق بأخْذِ المالِ المُحترَمِ على وَجْهِ الخُفْيةِ مِن حِرزٍ لا شُبهةَ فيه، أو قتَلَ دونَ حُجَّةٍ شَرعيَّةٍ؛ فلا يَفعَلُ هذه الأفعالَ وهو مُتَّصِفٌ بالإيمانِ. أو يُنزَعُ منه نُورُ الإيمانِ، والإيمانُ هو التَّصديقُ بالجَنَانِ، والإقرارُ باللِّسانِ، والعمَلُ بالجَوارحِ والأركانِ، فإذا زَنى المسلمُ، أو شَرِبَ الخمْرَ، أو سَرَقَ، أو قتَل؛ ذَهَبَ نُورُ الإيمانِ وبَقيَ صاحبُه في ظُلمةٍ. ويَصِحُّ أنْ يكونَ المَنفيُّ هو كَمالَ الإيمانِ، وليس أصْلَ الإيمانِ، فيَكونُ المعْنى: لا يفعَلُ المسلِمُ الكبائِرَ وهو مُؤمِنٌ كاملُ الإيمانِ. أو المرادُ: مَن فَعَلَ ذلك مُستحِلًّا له فهو غيرُ مُؤمنٍ؛ إذ استحلالُ الحرامِ مِن مُوجِباتِ الكفْرِ. أو كَلامُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن بابِ الإنذارِ والتَّحذيرِ مِن زَوالِ الإيمانِ إذا اعتادَ هذه المعاصيَ واستَمرَّ عليها، وأنَّه يُنزَعُ منه حينَ ارتكابِ تلك المعاصي، ثُمَّ يَعُودُ إليه بعدَها
وقدْ مَثَّل عبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رضِيَ الله عنهما نَزْعَ الإيمانِ عندَ المعصيةِ؛ بأنْ شبَّك بيْن أصابِعِه ثُمَّ أَخرَجَ بعضَها مِن بعضٍ، ثُمَّ أعادَ أصابعَه وشبَّكها بعضَها ببَعضٍ، مُمَثِّلًا بذلِك عَوْدةَ الإيمانِ عندَ التَّوبةِ
وفي الحَديثِ: أنَّ الزِّنا والسَّرِقَةَ وشُرْبَ الخمرِ مِن أكبرِ الكبائرِ
وفيه: تَعظيمُ شَأنِ أَخْذِ حقِّ الغَيْرِ بغيرِ حقٍّ
وفيه: أنَّ مَن شَرِب الخمرَ دَخَل في الوَعِيد المذكورِ، سَواءٌ كان المشروبُ كثيرًا أوْ قليلًا
وفيه: أنَّ الإيمانَ يَزيدُ بالطَّاعاتِ ويَنقُصُ بالمَعاصي