صدقة العبد 2
سنن النسائي
أخبرني محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني ابن أبي بردة، قال: سمعت أبي يحدث، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «على كل مسلم صدقة» قيل: أرأيت إن لم يجدها؟ قال: «يعتمل بيده، فينفع نفسه، ويتصدق» قيل: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: «يعين ذا الحاجة الملهوف» قيل: فإن لم يفعل؟ قال: «يأمر بالخير» قيل: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: «يمسك عن الشر، فإنها صدقة»
أصلُ الصَّدَقةِ ما يُخرِجُهُ المرءُ مِن مالِهِ مُتطوِّعًا به، ولأنَّ الشَّريعةَ الإسلاميَّةَ جاءتْ باليُسرِ والرَّحمةِ بالنَّاسِ أجمعينَ، لمْ يَجعَلِ اللهُ الصَّدَقةَ حِكرًا على أهْلِ الغِنى ومَن عِندَه فَضلُ مالٍ، بل وسَّعَ بابَ الخَيرِ والبِرِّ أمامَ عِبادِهِ؛ لِيَشمَلَ كلَّ مَعروفٍ يَبذُلُه المُسلِمُ
وفي هذا الحَديثِ يُوضِّحُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا المَعْنى ويُؤكِّدُه، حيثُ أخبَر بأنَّ على المُسلِم في كلِّ يومٍ -مَهْمَا كان غنيًّا أو فقيرًا- صَدقةً، فسَأَلَ الصَّحابةُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فإنْ لم يَجِدِ الإنسانُ ما يَتصدَّقُ به؟ فدَلَّهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أنْ يَعمَلَ المرءُ بيَدِه ما يَعودُ عليه بالكسْبِ لنفْسِه، ويَتصدَّقَ مِن هذا الكسْبِ، فقِيل: فإنْ لم يَستطِعْ أن يَعمَلَ، أو لم يَفعَلْ كسَلًا؟ فدلَّهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على ما هو أيسَرُ؛ بأنْ يُعِينَ ويُساعدَ المحتاجَ المَلْهُوفَ، أي: المكروبَ والمستغِيثَ، قِيل: فإنْ لم يَفعَلْ؛ لعدَمِ قُدرةٍ أو لِكَسَلٍ؟ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فَلْيَأمُر بالخيرِ، كأمرٍ بمَعروفٍ أو نَهْيٍ عن مُنكَرٍ، قِيل: فإنْ لم يَفعَلْ؟ فدلَّهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على عمَلٍ آخَرَ؛ وذلك بأنْ يُمسِكَ نفْسَه عن فِعلِ الشرِّ؛ فإنَّه له صَدَقَةٌ؛ فإنَّ تَرْكَ الشَّرِّ عَمَلٌ وكسْبٌ يُثابُ عليه العبدُ إذا كان ترَكَه مِن أجْلِ اللهِ تعالَى
وفي الحَديثِ: أنَّ المؤمنَ إذا لم يَقدِرْ على بابٍ مِن أبوابِ الخيرِ ولا فُتِحَ له، فعليهِ أنْ يَنتقِلَ إلى بابٍ آخَرَ يَقدِرُ عليه
وفيه: تعَدُّدُ أوجُهِ الخيرِ والصَّدَقةِ