علامة المنافق 4
سنن النسائي
أخبرنا عمرو بن يحيى بن الحارث، قال: حدثنا المعافى، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا منصور بن المعتمر، عن أبي وائل، قال: قال عبد الله: " ثلاث من كن فيه فهو منافق: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف، فمن كانت فيه واحدة منهن لم تزل فيه خصلة من النفاق حتى يتركها "
النِّفاقُ من أسوأِ الصِّفاتِ التي تكونُ في الإنسانِ، وهو إخفاءُ المرءِ خِلافَ ما يُظهِرُه للنَّاسِ، ويَنقسِمُ إلى نِفاقٍ اعتقاديٍّ يخرج من الملَّة، ونِفاقٍ عمَليٍّ لا يُخرِجُ من الملَّةِ وإنْ كان مذمومًا أشدَّ الذمِّ
وفي هذا الأثرِ بَيانٌ لبعضِ الخِصالِ الَّتي تُوجِبُ في حَقِّ صاحبِها النِّفاقَ العَمَليَّ، حيثُ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: "ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه فهو مُنافقٌ"، أي: إنَّ المُنافِقَ له ثلاثُ علاماتٍ يُعْرَفُ بهنَّ، وهي: "إذا حدَّثَ كذَبَ"، أي: يقولُ في كلامِه وما يُخْبِرُ به على خِلافِ ما هو عليه، وأصبَحَ ذلك صِفةً مُلازِمةً له في كلِّ أقوالِه، "وإذا ائتُمِنَ خان" وأصلُ الخيانةِ النقصُ، أي: يَنقُص ما ائتُمِن عليه، والمعنى: لم يَحفَظِ الأمانةَ وإنَّما يُضيِّعُها ويَتصرَّفُ فيها عن قصْدٍ، "وإذا وعَدَ أخلَفَ"، أي: وإذا أعْطَى غيرَه وعدًا لم يُوفِه له؛ وهو على نَوعينِ؛
أحدُهما: أنْ يَعِدَ ومِن نيِّتِه ألَّا يفيَ بوعدِه، وهذا شَرُّ الخُلفِ
والثاني: أنْ يَعِدَ ومِن نيِّتِه أن يَفيَ، ثُمَّ يَتغيَّرَ فيُخلِفَ مِن غيرِ عُذرٍ له في الخُلفِ، "فمَن كانتْ فيه واحدةٌ مِنهنَّ"، أي: مَن اتَّصفَ بواحدةٍ من هذه الصِّفاتِ الثَّلاثةِ ولازمَتْه، "لم تَزَلْ فيه خَصلةٌ من النِّفاقِ حتَّى يترُكَها"، وهذا للتَّشنيعِ على مَن يعمَلُ بواحدةٍ منها. قيل: إنَّه يكونُ مُنافِقًا إذا اجتمَعَت فيه تلك الصِّفاتُ واعتادَها ولم يُقلِعْ عنها، بخلافِ مَن وقَعَ في إحداها مَرَّةً ورجَعَ، فإنَّه لا يُعَدُّ مُنافِقًا
وخُصَّتْ هذه الثلاثةُ بالنِّفاقِ؛ لأنَّها مشتملةٌ على المخالفةِ التي عليها مَبنَى النِّفاقِ، مِن مُخالفةِ السِّرِّ للعَلنِ؛ فالكذبُ: هو الإخبارُ عن الشيءِ على خِلافِ ما هو به، والأمانةُ حقُّها أن تُؤدَّى إلى أهلِها، فالخيانةُ مخالفةٌ لها، وإخلافُ الوعد ظاهرٌ
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ من قَبيحِ الأخلاقِ وسيِّئِها، وأنها تُعَدُّ نِفاقًا مَذمومًا