فضائل الصحابة 1

سنن ابن ماجه

فضائل الصحابة 1

حدثنا محمد بن الصباح، حدثنا جرير (ح)
وحدثنا علي بن محمد، حدثنا وكيع (ح)
وحدثنا أبو كريب، حدثنا أبو معاوية؛ جميعا عن الأعمش، عن أبي صالح
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه" (2).

الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم همْ أفضَلُ جِيلٍ في الأمَّةِ الإسْلاميَّةِ، ولهم مَكانَتُهمُ السَّامِقةُ الَّتي لا يُضاهِيها جِيلٌ آخَرُ؛ فهمْ أوَّلُ مَن آمَنَ باللهِ ورَسولِه، وحَمَلوا عنه الوَحيَ والسُّنَّةَ، وجاهَدوا في سَبيلِ اللهِ حتَّى انتَشَرَتِ الدَّعْوةُ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي أبو سَعيدٍ الخُدْريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى عن سَبِّ الصَّحابةِ رِضْوانُ اللهِ عليهم، والمَقْصودُ بـ«أصْحابي» هنا: يَحتَمِلُ أمرَيْنِ؛ فإنْ كان خاطَبَ أصْحابَه، فالخِطابُ للمُتأخِّرينَ منهم، فأعلَمَهم أنَّهم لنْ يَبلُغوا مَرْتَبةَ المُتقدِّمينَ، وإنْ كان قال لمَن سيَأْتي فعَلى مَعنى: بَلِّغوا مَن يَأْتي، ثمَّ يؤكِّدُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على هذا المَعنى بقَولِه: «فلو أنَّ أحَدَكم أنفَقَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهبًا، ما بَلَغ مُدَّ أحَدِهم ولا نَصِيفَه»، ومَعْناه: لو أنفَقَ أحَدُكم مِثلَ جبَلِ أُحدٍ ذَهبًا، ما بَلَغ ثَوابُه في ذلك ثَوابَ نَفَقةِ أحَدِ أصْحابي مُدًّا، وهو ما يَمْلأُ الكَفَّينِ، والنَّصيفُ: النِّصفُ.
فبيَّنَ أنَّ جُهدَ المُقِلِّ منَ الصَّحابةِ، واليَسيرَ منَ النَّفَقةِ الَّذي أنْفَقوه في سَبيلِ اللهِ، معَ شدَّةِ العَيشِ والضِّيقِ الَّذي كانوا فيه، أوْفى عندَ اللهِ، وأزْكى منَ الكَثيرِ الَّذي يُنفِقُه مَن بَعدَهم، فالقَليلُ الَّذي أنفَقَه أحَدُهم أكثَرُ ثَوابًا منَ الكَثيرِ الَّذي يُنفِقُه غَيرُهم؛ وذلك لمَّا كان يُقارِنُ عمَلَ الصَّحابةِ منَ السَّبْقِ، ومَزيدِ الإخْلاصِ، وصِدقِ النِّيَّةِ، وكَمالِ النَّفْسِ، بخِلافِ غيرِهم.
وفي الحَديثِ: تَفْضيلُ الصَّحابةِ كلِّهم على جَميعِ مَن بعْدَهم.