فضل الصدقة عن الميت 3
سنن النسائي
أخبرنا موسى بن سعيد، قال: حدثنا هشام بن عبد الملك، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن الشريد بن سويد الثقفي، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أمي أوصت أن تعتق عنها رقبة، وإن عندي جارية نوبية أفيجزئ عني أن أعتقها عنها؟ قال: «ائتني بها»، فأتيته بها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «من ربك؟» قالت: الله، قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «فأعتقها فإنها مؤمنة»
مِن رحمةِ اللهِ سُبحانَه وفضْلِه أنْ جعَلَ أسبابًا كَثيرةً لرَفْعِ الدَّرَجاتِ وغُفرانِ الذُّنوبِ، ودوامِ الثَّوابِ حتَّى بعْدَ المَماتِ
وفي هذا الحديثِ يُبَيِّنُ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه إذا ماتَ الإنسانُ انقطعَ عنه عملُه في الدُّنيا، فلا زِيادةَ في العملِ؛ فإنْ كان مُحسِنًا فلَهُ إحسانُه، وإنْ كان مُسيئًا فلا مَجالَ للعملِ ولا للتَّوبةِ بعْدَ الموتِ؛ فَلا يَصلُ إليه أجْرٌ وثوابٌ مِن شَيءٍ مِن عَملِه، إلَّا إنْ تَرَك ثَلاثةَ أشياءَ؛ فإنَّ ثَوابَها وفَائدتَها لا تَنقطِعُ عنه، أوَّلُها: الصَّدقَةُ الجاريةُ: وهي الَّتي يَجري نفعُها فَيدومُ أجْرُها، مِثلُ الوقفِ وغَيرِه، ثانيها: عِلْمٌ يُنتفَعُ به، أي: بَعْدَ موتِه، وقَيَّدَ العلِمَ بِالمنتَفَعِ به؛ لأنَّ العِلمَ غَيرَ المنتفَعِ به لا يُؤتَى صاحبُه به أَجرًا، ثَالثُها: وَلَدٌ صالحٌ، أي: مؤمنٌ، يَدْعو له، وقيَّدَ الولدَ بِالصَّالحِ؛ لأنَّ الأجرَ لا يَحصُلُ مِن غيرِه، وإنَّما ذَكرَ دعاءَه تَحريضًا لِلولدِ على الدُّعاءِ لِأبيه؛ لأنَّ لِلوالدِ ثَوابًا مِن عَمَلِ الولدِ الصَّالحِ، سواءٌ دعا لِأبيه أم لا، كما أنَّ مَن غَرَسَ شَجَرةً جُعِلَ له ثَوابٌ بِأْكِل ثَمرتِها، سواءٌ دعا له الآكِلُ أم لا، وعندَ ابنِ ماجَه: «إنَّ الرَّجلَ لتُرفَعُ دَرجتُه في الجنَّةِ فيَقولُ: أنَّى هذا؟ فيُقالُ: باستغفارِ وَلدِك لكَ»، ولابنِ ماجَه أيضًا: «إنَّ ممَّا يَلحَقُ المؤمنَ مِن عَملِه وحَسناتِه بعْدَ مَوتِه عِلمًا علَّمَه ونَشَرَه، ووَلدًا صالحًا تَرَكَه، ومُصحَفًا وَرَّثَه، أو مَسجدًا بَناهُ، أو بَيتًا لابنِ السَّبيلِ بَناهُ، أو نَهرًا أجْراهُ، أو صَدَقةً أخْرَجَها مِن مالِه في صِحَّتِه وحَياتِه، يَلحَقُه مِن بعدِ مَوتِه»، وهذه الأمورُ يَتجدَّدُ أجْرُها ويَصِلُ للإنسانِ بعْدَ مَوتِه، وكذلك يَسْري هذا الحُكمُ على كلِّ ما سَنَّه الإنسانُ مِن الخيرِ وبَقِي أثرُه؛ لِما رواهُ مُسْلمٌ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسنةً، فله أجْرُها وأجْرُ مَن عَمِلَ بها بعْدَه، مِن غيرِ أنْ يَنقُصَ مِن أُجورِهم شَيءٌ». وإنَّما خَصَّ هذه الثَّلاثةَ بالذِّكرِ في هذا الحديثِ؛ لأنَّها أُصولُ الخيرِ، وأغلَبُ ما يَقصِدُ أهلُ الفضلِ بَقاءه بعْدَهم
وفي الحديثِ: الحثُّ على الإحسانِ إلى الوالدَيْنِ بعْدَ مَوتِهما
وفيه: الحثُّ على تَعلُّمِ العِلْمِ النَّافِع وبَثِّه في النَّاسِ
وفيه: الحثُّ على التَّصدُّقِ بالصَّدقاتِ الجاريةِ
وفيه: فَضيلةُ الزَّواجِ رَجاءَ أنْ يُولَدَ للزَّوجينِ ولَدٌ صالحٌ يَدْعو لهما