فضل الصدقة في سبيل الله عز وجل 2
سنن النسائي
أخبرنا عمرو بن عثمان، قال: حدثنا بقية، عن بحير، عن خالد، عن أبي بحرية، عن معاذ بن جبل، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الغزو غزوان، فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد، كان نومه ونبهه أجرا كله، وأما من غزا رياء، وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض، فإنه لا يرجع بالكفاف»
إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، فإذا كانت نِيَّةُ العبدِ في عَمَلِه ابتِغاءَ مَرْضاةِ اللهِ، وفي سَبيلِه طلبًا لِما عِنْدَه مِن الأَجْرِ والمثوبةِ، فإنَّ أعمالَه تَكونُ مَقْبولةً بإذنِ اللهِ تعالى
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "الغَزْوُ غَزْوانِ"، أي: نَوْعانِ، ثُمَّ بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حقيقةَ كُلِّ غزوٍ، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: "فأمَّا مَنِ ابْتَغى وَجْهَ اللهِ"، أي: كان خالِصًا لوَجْهِ اللهِ طالبًا للأَجْرِ والثَّوابِ في الآخِرةِ، "وأطاعَ الإمامَ"، أي: في غزوتِه تلك على الوَجْهِ الذي يُرضِي اللهَ عزَّ وجَلَّ، "وأَنْفَق الكَريمةَ"، أي: أَنْفَقَها في سبيلِ اللهِ عن طِيبِ نَفْسٍ، والكريمةُ: المالُ النَّفيسُ عِنْدَ صاحِبِه وأَفْضَلُه، "ويَاسَرَ الشَّريكَ"، أي: عامَلَ رُفْقتَه باليُسْرِ والسُّهولةِ، "واجْتَنَب الفَسادَ" في الأرضِ، أي: ما كان على الوَجْهِ غيرِ المشروعِ؛ كالتَّخريبِ والحَرَقِ، وقَتْلِ مَن لا يُؤمَرُ بقَتْلِه، فإنْ فَعَلَ ذلك كُلَّه في غزوتِه، "فإنَّ نَومَه ونَبْهَه"، أي: يَقظتَه "أَجْرٌ كُلُّه"، أي: إنَّهُ يُؤجَرُ في جميعِ حالاتِ حَركاتِه وسَكَناتِه، ثُمَّ بيَّن صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّوعَ الثَّانيَ مِن الغَزوِ؛ فقال: "وأَمَّا مَن غَزا فخرًا"، أي: للمُفاخرةِ، من أَجْلِ الكِبرياءِ والشَّرفِ، "ورياءً وسُمْعةً"، أي: قاصدًا ثَناءَ النَّاسِ ومَدْحَهُم لَهُ، وليُقالَ عليه: شُجاعٌ وقويٌّ، "وعَصى الإمامَ"، أي: في أَمْرِه أو نَهْيِه، ولَم يَكُنْ في طاعتِه، "فإنَّهُ لم يَرْجِعْ بالكَفافِ"، أي: لَمْ يَرْجِعْ بما يَكْفيهِ مِن الأَجْرِ على ما اكْتَسَبه مِن وِزْرٍ وإثمٍ في غزوتِه تلك
وفي الحَديثِ: التَّرغيبُ في أن يكونَ الجهادُ خالصًا لوَجْهِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والتَّحذيرُ من أنْ يَشوبَه بما يَعْصى بِه اللهَ