في البكاء على الميت 3
سنن النسائي
أخبرنا عمرو بن يزيد، قال: حدثنا بهز بن أسد، قال: حدثنا شعبة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، أن أباه قتل يوم أحد قال: فجعلت أكشف عن وجهه وأبكي، والناس ينهوني، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، وجعلت عمتي تبكيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تبكيه ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه»
كَتَبَ اللهُ تعالَى على عِبادِه المؤمنينَ البلاءَ، ووَعَدَهم بالأجْرِ الجزيلِ إذا صَبَروا على ما ابْتَلاهم به، ومِن أعظَمِ البلاءِ الابتلاءُ بفَقْدِ أحَدِ الوالدَينِ، وقد هذَّبَ الإسلامُ أفعالَ النَّاسِ، وأمَرَهم بكلِّ خيرٍ في ذلك المَوقفِ
وفي هذا الحديثِ يَحكي جابِرُ بنُ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه لَمَّا قُتِلَ أبوه -وكان ذلك في غَزوةِ أُحُدٍ- جَعَلَ يَكشِفُ الثَّوبَ عن وَجْهِه؛ ليُودِّعَه الوَداعَ الأخيرَ، وجَعَلَ الحاضرون يَنْهَونه عن فِعلِه هذا، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَراهُ ولا يَنْهاهُ، وفي هذا إقرارٌ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لفِعلِ جابرٍ رَضيَ اللهُ عنه. وكانت عمَّتُه فاطِمةُ بِنتُ عَمْرٍو رَضيَ اللهُ عنها تَبْكي أخاها عبدَ اللهِ بنَ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنه، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُبَشِّرًا ومُواسيًا لها في مُصابِها: «تَبكينَ أو لا تَبْكينَ»، يعني أنَّها إنْ بَكَت عليه فإنَّ بُكاءَها عليه لا يَنقُصُه، وأنَّ صَبْرَها عنه في مَوضعِه، وأنَّ عَزاءَها فيه عَظيمٌ، وبُشراها كَبيرةٌ، وحَسْبُها عَزاءً أنَّه ما زالَت الملائِكةُ تُظِلُّه بأجنِحتِها حتَّى رَفَعَه الناسُ، يعني استمرَّت تُظَلِّلُه تَكريمًا له، حتَّى رَفَعتُموه عن النَّعشِ إلى قَبْرِه. وقيل: معناهُ: لا تَزالُ الملائكةُ مُجتمِعةً عليه، مُتزاحِمةً على المُبادَرةِ لصُعودِهم برُوحِه حتَّى رَفعْتُموه مِن مَقتلِه، أو رَفعْتُموه مِن مَغسلِه
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ الدُّخولِ على الميِّتِ قبْلَ دَفْنِه، وكَشْفِ الثَّوبِ عنه إذا لم يَبْدُ منه أذًى
وفيه: أنَّ التَّزكيةَ القَطعيَّةَ لأيِّ إنسانٍ تَجوزُ في الأمورِ الماضيةِ لا في المُستَقبَلةِ؛ لأنَّ المُستقبَلَ غَيبٌ، فلا يَجوزُ القَطعُ لأحَدٍ بالجنَّةِ إلَّا مَن شَهِدَ له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفيه: مُشروعيَّةُ البُكاءِ على المَيتِ مِن غَيرِ نِياحةٍ ولا نَدْبٍ
وفيه: فَضيلةٌ عَظيمةٌ لعَبدِ اللهِ بنِ حَرامٍ والِدِ جابِرٍ رَضيَ اللهُ عنهما