قراءة سورتين في ركعة 2
سنن النسائي
أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا وائل يقول: قال رجل عند عبد الله: قرأت المفصل في ركعة. قال: «هذا كهذ الشعر، لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين سورتين في ركعة»
أمَرَ اللهُ سُبحانَه وتعالَى بتَدبُّرِ القرآنِ
قال تعالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وقال عزَّ مِن قائلٍ: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء: 82]، وهذا هو المقصودُ مِن قِراءتِه، لا مُجرَّدُ سَرْدِ حُروفِه دونَ فَهْمٍ أو تَعقُّلٍ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التابِعيُّ أبو وائلٍ شَقيقُ بنُ سَلَمةَ أنهم ذهبوا إلى عَبدِ الله بنِ مسعودٍ رضِي اللهُ عنه غَدْوةً، وهو وقْتُ ما بيْن صَلاةِ الصُّبحِ وطُلوعِ الشَّمسِ، فقال رجُلٌ مِنَهم -اسْمُه نَهِيكُ بنُ سِنانٍ البَجَلِيُّ، كما في صحيح مسلم-: قرَأْتُ سُورَ المفصَّلِ كلَّها اللَّيلةَ الماضيةَ، أي: إنَّ هذه القراءةَ كانت في صلاتِه في ركعةٍ واحدةٍ، كما في روايةٍ أخرى عند البخاريِّ: «قال: قَرَأْتُ المُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ في رَكْعَةٍ»، والمُفصَّلُ يَبدَأُ مِن سُورةِ «ق» إلى آخِرِ القُرآنِ، وقيل: مِن سُورةِ محمَّدٍ إلى آخِرِ القُرآنِ، وسُمِّيَ مُفصَّلًا لِقِصَرِ سُوَرِه وقُرْبِ انْفِصالِ بَعْضِهنَّ مِن بَعضٍ، ففَهِمَ منه ابنُ مَسعودٍ رضِي اللهُ عنه بأنَّه كان يُسرِعُ في التِّلاوةِ، ولا يُرتِّلُ القُرآنَ ترتيلًا كما أمر اللهُ عزَّ وجَلَّ ويَتأكَّدُ هذا الأمرُ إذا كانتِ القِراءةُ في الصَّلاةِ- فلم يَستَحسِنْ منه ذلك، وأنكر عليه فِعْلَه، فقال له: «هَذًّا كهَذِّ الشِّعرِ!» أي: قرَأْتَه قِراءةً مُتسرِّعَةً ليس فيها تَدبُّرٌ كما يُفعَلُ في قِراءةِ الشِّعرِ! وإنَّمَا قال ذلك لأنَّ تِلكَ الصِّفةَ كانتْ عادَتَهم في إنشادِ الشِّعْرِ، وهذا الإنكارُ مِن ابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه لفِعلِ الرَّجلِ؛ لِمَا فيه مِن قلَّةِ التَّدبُّرِ لِمَا يقرَؤُه
ثمَّ ذكَرَ ابنُ مسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه يَعرِفُ القُرَنَاءَ -وهي السُّوَرُ المُتقارِبةُ في الطُّولِ- الَّتي كان يَقرَأُ بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويَجمَعُ بيْنَهنَّ في صَلاتِه، يَقرَأُ سُورتينِ في كلِّ رَكعةٍ، وعدَدُهنَّ عِشرونَ سُورةً
ومعناه: إنْ شئتَ أنْ تَعمَلَ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاجمعْ بيْن كُلِّ سُورتينِ فقطْ، ولا تَزِدْ؛ لِتَتمكَّنَ مِنَ الترَّتيلِ، وحُسنِ التِّلاوةِ
وقدْ ورَد ذِكرُ هذه السُّوَرِ عندَ أبي داودَ عن ابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، وهي: الرَّحمنُ والنَّجمُ في رَكعةٍ، والقمرُ والحاقَّةُ في رَكعةٍ، والطُّورُ والذَّارِياتُ في رَكعةٍ، والواقعةُ والقلَمُ في رَكعةٍ، والمعارِجُ والنَّازعاتُ في رَكعةٍ، ووَيْلٌ للمُطفِّفِينَ وعَبَسَ في ركْعةٍ، والمدَّثِّرُ والمُزمِّلُ في رَكعةٍ، والإنسانُ والقيامةُ في رَكعةٍ، والنَّبأُ والمُرسَلاتُ في رَكعةٍ، والدُّخَانُ والتَّكويرُ في رَكعةٍ
وقَولُه: «سورتين من آلِ (حم)» مُشكِلٌ؛ لأنَّ الرِّواياتِ لم تختَلِفْ أنَّه ليس في العِشرينَ مِن الحواميمِ غيرُ الدُّخَانِ، فيُحمَلُ على التغليبِ، أو فيه حَذفٌ، كأنه قال: وسورتينِ إحداهما من (آل) حم
وكذا قَولُه في روايةٍ في الصَّحيحين: «عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ المُفَصَّلِ»؛ فإنَّ الدُّخَانَ لَيست مِن المُفصَّلِ، فَيُحمَلُ على أنَّه عدَّها فيه تَجوُّزًا
وفي الحَديثِ: النَّهيُ عَنِ الهذِّ في القِراءةِ، وهو الإسراعُ المفْرِطُ
وفيه: مَشروعيَّةُ قِراءةِ أكثرَ مِن سُورةٍ في الرَّكعةِ الواحدةِ
وفيه: الحثُّ على التَّرسُّلِ في قِراءةِ القرآنِ، وتَّدبُّرِ آياتِه