قوله عز وجل {خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31] 3
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد، وعثمان بن عمر، قالا: حدثنا شعبة، عن المغيرة، عن الشعبي، عن المحرر بن أبي هريرة، عن أبيه، قال: " جئت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ببراءة، قال: ما كنتم تنادون؟ قال: «كنا ننادي إنه لا يدخل الجنة، إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فأجله أو أمده إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة أشهر، فإن الله بريء من المشركين، ورسوله، ولا يحج بعد العام مشرك، فكنت أنادي حتى صحل صوتي»
الجاهِليَّةُ هي الفترةُ الَّتي كان النَّاسُ فيها على الشِّركِ قبْلَ مَجيءِ الإسْلامِ، وسُمِّيَت بها لكَثْرةِ جَهالاتِهم وضَلالاتِهم، وقدْ جاء الإسلامُ باجتِثاثِ عاداتِ الجاهليَّةِ المنكَرةِ والمخالَفةِ لشَرعِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ومِن تلك العاداتِ المنكَرةِ: أنَّهم كانوا يَطوفونَ عُراةً ويَرمُونَ ثِيابَهم ويَترُكونَها مُلقاةً عَلى الأَرضِ، ولا يَأخُذونَها أبدًا ويَترُكونَها تُداسُ بالأَرجُلِ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عَبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ المرأةَ زمَنَ الجاهليَّةِ كانت تَطوفُ بالكعبةِ وهي عُريانَةٌ، ليْس عليها ثِيابٌ، فتَقولُ: «مَن يُعيرُني» أي: مَن يُعطِيني «تِطوافًا»، وَهُو ثَوبٌ تَلبَسُه المرأَةُ لتَطوفُ بِه، وكانت النِّساءُ مِن غَيرِ قُرَيشٍ يَفعَلْنَ ذلك ويَطلُبْنَ مِن نِساءِ قُرَيشٍ إعطاءَهُنَّ ثِيابًا للطَّوافِ فيها، كما في الصَّحيحينِ، عن عُروةَ بنِ الزُّبيرِ قال: «كان النَّاسُ يَطوفون في الجاهليَّةِ عُراةً إلَّا الحُمْسَ، والحُمْسُ قُرَيشٌ وما وَلَدَت، وكانت الحُمْسُ يَحتسِبون على النَّاسِ، يُعطِي الرَّجلُ الرَّجلَ الثِّيابَ يَطوفُ فيها» سُمُّوا بالحُمْسِ؛ لِتَحَمُّسِهم وتَشَدُّدِهم في دِينِهم، فمَن لم تُعطِه الحُمْسُ ثِيابًا طافَ بالبَيتِ عُريانًا
وتَقولُ المرأةُ العاريةُ حالَ طَوافِها
«اليَومَ يَبدو بَعضُه أَو كُلُّه ... فَما بَدا مِنه فَلا أُحلُّه»
والمعنى: إِنَّني لا أُبدي عَورَتي بقَصْدِ الفَحشاءِ، وإِنَّما أُبديه لِحاجةٍ، وَهِيَ ألَّا أَطوفَ بثِيابٍ أَذنبتُ فيها فَلا أُبيحُ لأَحدٍ أنْ يَنظُرَ إليه قَصْدًا، أو يَتمَتَّعَ بِه
فأَنزلَ اللهُ قولَه تَعالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]، وَالمرادُ بِذلكَ: أن يَستُروا عَوراتِهم عِند المساجِدِ، فدَخلَ في ذَلكَ الطَّوافُ والصَّلاةُ والِاعتِكافُ، وغَيرُ ذلكَ
وفي الحديثِ: سَببُ نُزولِ {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]
وفيه: سَترُ العَورةِ في الطَّوافِ