كتاب اللقطة

كتاب اللقطة

حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة بمعناه قال « عرفها حولا ». وقال ثلاث مرار قال فلا أدرى قال له ذلك فى سنة أو فى ثلاث سنين.

أي شيء يلتقط ، وهو بضم اللام وفتح القاف على المشهور عند أهل اللغة والمحدثين . وقال عياض : لا يجوز غيره كذا في فتح الباري . وقال النووي : هي بفتح القاف على اللغة المشهورة التي قالها الجمهور ، واللغة الثانية لقطة بإسكانها ، والثالثة لقاط بضم اللام ، والرابعة لقط بفتح اللام والقاف 

( إن وجدت صاحبه ) : أي فأعطيه ( وإلا استمتعت به ) : أي انتفعت به ( قال ) : سويد ( فقال ) : أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( عرفها ) : بالتشديد أمر من التعريف وهو أن ينادي في الموضع الذي لقاها فيه وفي الأسواق والشوارع والمساجد ، ويقول : من ضاع له شيء فليطلبه عندي ( فعرفتها حولا ) : أيضا بالتشديد من التعريف وحولا نصب على الظرف ( من يعرفها ) : بالتخفيف من عرف يعرف معرفة وعرفانا . وفي رواية للبخاري : ثم أتيته الرابعة فقال : اعرف عدتها ، وفي رواية البخاري ثم أتيته ثلاثا أي ثلاث مرات ، والمعنى أنه أتى ثلاث مرات ، وليس معناه أنه أتى بعد المرتين الأولين ثلاث مرات وثالثة باعتبار التعريف ورابعة باعتبار  مجيئه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله العيني . ( ووعاءها ) : الوعاء بالمد وبكسر الواو وقد تضم وقرأ بها الحسن في قوله قبل وعاء أخيه وقرأ سعيد بن جبير إعاء بقلب الواو المكسورة همزة ، والوعاء ما يجعل فيه الشيء سواء كان من جلد أو خزف أو خشب أو غير ذلك . ( والوكاء ) : بكسر الواو والمد الخيط الذي يشد به الصرة وغيرها ، وزاد في حديث زيد بن خالد العفاص كما سيأتي ( وإلا فاستمتع بها ) : قال الخطابي : فيه دليل على أن له أن يستملكها بعد السنة ويأكلها إن شاء غنيا كان الملتقط لها أو فقيرا . وكان أبي بن كعب من مياسير الأنصار ، ولو كان لا يجوز للغني أن يتملكها بعد تعريف السنة لأشبه أن لا يبيح له الاستمتاع بها إلا بالقدر الذي لا يخرجه عن حد الفقر إلى حد الغنى ، فلما أباح له الاستمتاع بها كلها دل على أن حكم الغني والفقير لا يختلف في ذلك . وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه . وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وعائشة - رضي الله عنها - إباحة التمليك والاستمتاع بها بعد السنة . وقالت طائفة : إذا عرفها سنة ولم يأت صاحبها تصدق بها ، وروي ذلك عن علي وابن عباس ، وهذا قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وإليه ذهب مالك . ( قال ولا أدرى أثلاثا قال عرفها أو مرة واحدة ) : وفي رواية للبخاري : وإلا فاستمتع بها فاستمتعت بها فلقيته بعد بمكة فقال لا أدري ثلاثة أحوال أو حولا واحدا ، انتهى 

والقائل شعبة . والذي قال : لا أدري هو شيخه سلمة بن كهيل ، وقد بينه مسلم من رواية بهز بن أسد عن شعبة أخبرني سلمة بن كهيل ، قال شعبة : فسمعته بعد عشر سنين يقول : عرفها عاما واحدا . وقد بينه أبو داود الطيالسي في مسنده أيضا ، فقال في آخر الحديث : قال شعبة : فلقيت سلمة بعد ذلك ، فقال : لا أدرى ثلاثة أحوال أو حولا واحدا ، فالمعنى أي قال سلمة بن كهيل لا أدري أقال سويد بن غفلة عرفها ثلاثا أي ثلاثة أحوال أو عرفها مرة واحدة أو حولا واحدا . قال الحافظ : وأغرب ابن بطال فقال الذي شك فيه هو أبي بن كعب والقائل هو سويد بن غفلة انتهى 

ولم يصب في ذلك وإن تبعه جماعة منهم المنذري . بل الشك فيه من أحد رواته وهو سلمة لما استثبته فيه شعبة ، وقد رواه غير شعبة عن سلمة بن كهيل بغير شك جماعة ، وفيه هذه الزيادة أي ثلاثة أحوال أخرجها مسلم . وجمع بعضهم بين حديث أبي هذا وحديث زيد بن خالد الآتي فإنه لم يختلف عليه في الاقتصار على سنة واحدة ، فقال : يحمل حديث أبي بن كعب على مزيد الورع عن التصرف في اللقطة والمبالغة في التعفف عنها ، وحديث زيد على ما لا بد منه أو لاحتياج الأعرابي واستغناء أبي 

قال المنذري : لم يقل أحد من أئمة الفتوى إن اللقطة تعرف ثلاثة أعوام إلا شيء جاء عن عمر انتهى . وقد حكاه الماوردي عن شواذ من الفقهاء ، وحكى ابن المنذر عن عمر أربعة أقوال : يعرفها ثلاثة أحوال ، عاما واحدا ، ثلاثة أشهر ، ثلاثة أيام ، ويحمل ذلك على عظم اللقطة وحقارتها ، وزاد ابن حزم عن عمر قولا خامسا وهو أربعة أشهر . وجزم ابن حزم وابن الجوزي بأن هذه الزيادة غلط ، قال والذي يظهر أن سلمة أخطأ فيها ثم تثبت واستذكر واستمر على عام واحد ، ولا يؤاخذ إلا بما لم يشك فيها راويه  وقال ابن الجوزي : يحتمل أن يكون - صلى الله عليه وسلم - عرف أن تعريفها لم يقع على الوجه الذي ينبغي فأمر أبيا بإعادة التعريف ، كما قال للمسيء صلاته : ارجع فصل فإنك لم تصل ، انتهى 

ولا يخفى بعد هذا على مثل أبي مع كونه من فقهاء الصحابة وفضلائهم ، وقد حكى صاحب الهداية من الحنفية رواية عندهم ، أن الأمر في التعريف مفوض لأمر الملتقط فعليه أن يعرفها إلى أن يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك . كذا في الفتح : قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مختصرا ومطولا بنحوه . وليس في حديث البخاري ومسلم فعرف عددها ووعاءها ووكاءها ، وفي حديث الترمذي " فإذا جاء طالبها فأخبرك بعددها ووعائها ووكائها فادفعها إليه " . وفي حديث النسائي فإن جاء أحد يخبر بعددها ووعائها ووكائها فأعطها إياه ، انتهى كلام المنذري 

( بمعناه ) : أي بمعنى حديث محمد بن كثير ( قال ) : النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بن كعب ( عرفها حولا ) : أي سنة واحدة ( قال ثلاث مرار ) : أي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الكلام لأبي ثلاث مرار ( قال ) : سلمة بن كهيل لما اشتبه فيه بعد إلقائه بمكة ( فلا أدري قال ) : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( له ) : أي لأبي ذلك الكلام وهو عرفها حولا ( في سنة ) : واحدة ثلاث مرار ( أو ) : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذلك الكلام مفرقا ( في ثلاث سنين ) : أي أمره أن يعرفها في ثلاث سنين 

 ( بإسناده ) : أي بإسناد شعبة ( قال عامين أو ثلاثة ) : . وأخرج مسلم من طريق الأعمش والثوري وزيد بن أبي أنيسة ، وحماد بن سلمة كلهم عن سلمة بن كهيل نحو حديث شعبة ، وفي حديثهم جميعا ثلاثة أحوال إلا حماد بن سلمة فإن في حديثه عامين أو ثلاثة 

قال النووي : في روايات حديث زيد بن خالد عرفها سنة ، وفي حديث أبي بن كعب أنه - صلى الله عليه وسلم - أمره بتعريفها ثلاث سنين ، وفي رواية سنة واحدة ، وفي رواية أن الراوي شك قال : لا أدري قال : حول أو ثلاثة أحوال ، وفي رواية عامين أو ثلاثة . قال القاضي عياض : قيل في الجمع بين الروايات قولان أحدهما أن يطرح الشك والزيادة ، ويكون المراد سنة في رواية الشك وترد الزيادة بمخالفتها باقي الأحاديث . والثاني أنهما قضيتان ، فرواية زيد في التعريف سنة محمولة على أقل ما يجزئ ، ورواية أبي بن كعب في التعريف ثلاث سنين محمول على الورع وزيادة الفضيلة . قال : وقد أجمع العلماء على الاكتفاء بتعريف سنة ، ولم يشترط أحد تعريف ثلاثة أعوام إلا ما روي عن عمر ولعله لم يثبت عنه ، انتهى كلامه ، وتقدم الكلام في ذلك ، والله أعلم . ( فإن جاء صاحبها فعرف عددها إلخ ) : قال الخطابي : فيه دلالة على أنه إذا وصف اللقطة وعرف عددها دفعت إليه من غير تكليف بينة سواها ، وهو مذهب مالك وأحمد بن حنبل . وقال الشافعي إن وقع في نفسه أنه صادق ، وقد عرف الرجل العفاص والوكاء والعدد والوزن دفعها إليه إن شاء ، ولا يجبر على ذلك إلا ببينة ؛ لأنه قد يصيب الصفة بأن يسمع الملتقط يصفها ، وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه 

قلت : ظاهر الحديث هذا يوجب دفعها إليه إذا أصاب الصفة ، وهو فائدة قوله : اعرف عفاصها ووكاءها ، فإن صحت هذه اللفظة في رواية حماد وهي قوله ، فعرف عددها فادفعها كان ذلك أمرا لا يجوز خلافه ، وإن لم يصح فالاحتياط مع من لم يرى الرد إلا ببينة ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ويتأول على هذا المذهب قوله :  اعرف عفاصها ووكاءها ، على وجهين : أحدهما : أنه أمره بذلك لئلا يختلط بماله فلا يتميز منه ، والوجه الآخر : لتكون الدعوى فيها معلومة وأن الدعوى المبهمة لا تقبل

قلت : وأمره بإمساك اللقطة وتعريفها أصل في أبواب من الفقه ، إذا عرضت الشبهة فلم يتبين الحكم فيها ، وإلى هذا ذهب الشافعي في كثير من المسائل مثل أن يطلق أحد نسائه من غير تعيين ، ومات فإن اليمين توقف حتى تبين المطلقة منهن ، أو يصطلحن على شيء في نظائر لها من الأحكام ، انتهى