كتاب تقصير الصلاة في السفر 3
سنن النسائي
أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا هشيم، عن منصور بن زاذان، عن ابن سيرين، عن ابن عباس، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من مكة إلى المدينة لا يخاف إلا رب العالمين يصلي ركعتين»
أنعَمَ اللهُ على عبادِه بنِعَمٍ كثيرةٍ، وما من أمرٍ فيه مشقَّةٌ إلَّا جعَل لهم فيه رُخصَةً رحمةً ورأفةً بهم، ومِنْ ذلك: قَصْرُ الصَّلاةِ للمُسافرِ
وفي هذا الحديثِ يقولُ ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم خرجَ منَ المدينةِ إلى مكَّةَ"، أي: سافَر من المدينةِ إلى مكَّةَ، "لا يخافُ إلَّا اللهَ ربَّ العالَمينَ "، أي: في أمنٍ واستقرارٍ بعد أنْ قَوِيَتْ شوكةُ الإسلامِ، "فصلَّى ركعتَينِ"، أي: قصَر الصَّلاةَ الرُّباعيَّةَ فصلَّى رَكعتَينِ، ويعْنِي ابنُ عبَّاسٍ أنَّ علَّةَ الخوفِ في قولِه تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} [النساء: 101] غيرُ معمولٍ بها؛ قيلَ: وذلك لأنَّ الآيةَ خرَجَتْ مَخرجَ الغالبِ، ولذا فالحُكمُ غيُر مقيَّدٍ بها، وقيلَ: كان الأمرُ مُقيَّدًا بالخوفِ ثمَّ زال السَّببُ، واستمرَّت الرُّخصةُ صدَقةً منَ اللهِ سبحانه وتعالى على عِبادِه، وقيلَ: المرادُ هنا صلاةُ الخوفِ وقَصْرُها إلى رَكعةٍ، ولكِنْ عمِلَ الصَّحابةُ على أنَّ صلاةَ الخوفِ رَكعَتان، مع استمرارِ رُخصَةِ القَصْرِ في السَّفرِ عُمومًا في الأمنِ والخوفِ