كيف الأذان 1

سنن النسائي

كيف الأذان 1

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن عامر الأحول عن مكحول عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة قال : علمني رسول الله صلى الله عليه و سلم الأذان فقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم يعود فيقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله 
قال الشيخ الألباني : حسن صحيح 

كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحسنَ الناسِ تَعليمًا وتربيةً، وكان لا يُجازي بالسَّيِّئةِ سيِّئةً مثْلَها، بل يَعْفو ويَصفَحُ، ويُعلِّمُ الجاهِلَ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ مُحيريزٍ- وكان عبدُ اللهِ يَتيمًا في حِجْرِ أبي مَحذورةَ، حتَّى جهَّزَه لأجْلِ السَّفرِ إلى الشَّامِ-: "أنَّ أبا مَحذورةَ قال له: خرَجْتُ في نَفَرٍ"، أي: في جماعةٍ من الرِّجالِ، والنَّفرُ: من الثَّلاثةِ إلى عشْرةٍ- وقيل: إلى سَبعةٍ-، وفي روايةٍ للنَّسائيِّ: "خرجْتُ عاشرَ عشَرةٍ من أهْلِ مكَّةَ"
قال أبو مَحذورةَ رضِيَ اللهُ عنه: "فكنَّا ببعضِ طَريقِ حُنينٍ" وهو وادٍ بين مكَّةَ والطَّائفِ، وذلك بعدَ تَمامِ فتْحِ مكَّةَ في رمضانَ، سَنةَ ثمانٍ من الهجرةِ، ثمَّ خرَجَ منها لقِتالِ هوازِنَ وثَقيفَ، فلمَّا الْتَقى الجَمعانِ انكشَفَ المُسلِمون، ثمَّ أمَدَّهم اللهُ بنصْرِه، فرَجَعوا وقاتَلوا المُشركين، فهَزَموهم وغَنِموا أموالَهم وعِيالَهم، وقولُه: "مَقْفَلَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: في زمنِ رُجوعِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من حُنينٍ، "فلَقِيَنا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بعضِ الطَّريقِ، فأذَّنَ مُؤذِّنُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالصَّلاةِ عند رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسمِعْنا صوتَ المُؤذِّنِ، ونحن عنه مُتنكِّبونَ"، أي: مُعرِضون عن طريقِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فظَلِلْنا نَحْكيه"، أي: فمكَثْنا نُشابِهُ صَوتَ المُؤذِّنِ، "ونهزَأُ به"، أي: نَحْكيه استهزاءً به، "فسمِعَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ال

صَّوتَ"، أي: صوتَ أذانِهم وقْتَ حِكايتِهم وتَقليدِهم للأذانِ الحقيقيِّ، "فأرسَلَ إِلينا حتَّى وقَفْنا بين يدَيْه"، أي: أمامَه، فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أيُّكم الَّذي سمِعْتُ صوتَه قدِ ارتفَعَ؟"، أي: ميَّزَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صوتًا منهم ويسأَلُهم عن صاحبِه. قال أبو مَحذورةَ: "فأشار القومُ إليَّ، وصَدَقوا"، أي: أشار رُفقاؤه بأنَّه هو الَّذي سُمِعَ صوتُه مُرتفعًا، وقد صَدَقوا في ذلك؛ حيث إنَّه كان أحسَنَهم صَوتًا، "فأرسَلَهم كُلَّهم"، أي: أطلَقَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سراحَ رُفقائِه؛ لأنَّه إنَّما طلَبَهم ليتعرَّفَ على الرَّجلِ الحسَنِ الصَّوتِ، فلمَّا عرَفَه أطلَقَهم، "وحَبَسني"، أي: أمْسَكني عنده ومَنَعني من الذَّهابِ، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "قُمْ، فأذِّنْ، فأذَّنْتُ بالصَّلاةِ، فقُمْتُ"
قال أبو محذورة: "فألْقى عليَّ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ التَّأذينَ هو بنفْسِه"، أي: علَّمَني ولقَّنَني كيفيَّةَ التَّأذينِ بنفْسِه الكريمةِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: "قُل: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ" بتَربيعِ التَّكبيرِ في أوَّلِ الأذانِ، "أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهَدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، أشهَدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ. ثمَّ قال: ارجِعْ فامدُدْ صوتَك" فأمَرَه بالتَّرجيعِ، وهو العودُ إلى الشَّهادتينِ مرَّتينِ برفْعِ الصَّوتِ بعدَ قولِهما مرَّتينِ بخفْضِ الصَّوتِ، ثمَّ قال: "قُلْ: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهَدُ إنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهَدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، أشهَدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، حيَّ على الصَّلاةِ، حيَّ على الصَّلاةِ، حيَّ على الفلاحِ، حيَّ على الفلاحِ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ. ثمَّ دعاني حين قَضيْتُ التَّأذينَ"، أي: طَلَبني بعدَما انتهيْتُ من تعلُّمِ الأذانِ، "فأعطاني صُرَّةً" وهي اللُّفافةُ الَّتي يُجمَعُ فيها شَيءٌ من النُّقودِ أو الطَّعامِ، "فيها شَيءٌ من فِضَّةٍ"، ولعلَّ هذا من بابِ تأليفِ القُلوبِ، "فقلْتُ: يا رسولَ اللهِ، مُرْني بالتَّأذينِ بمكَّةَ"، أي: طلَبَ أنْ يكونَ مُؤذِّنَ الحرمِ المكيِّ، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "قد أمرْتُك به"، أي: سمَحَ له النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يكونَ مُؤذِّنَ المسجدِ الحرامِ. قال أبو محذورةَ: "فقدِمْتُ على عتَّابِ بنِ أَسِيدٍ عاملِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: أَميرِ مَكَّةَ في عهْدِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهذا كِنايةٌ عن إعلامِ أميرِها بما كلَّفَه به رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قبْلَ أنْ يَشرَعَ فيه، "فأذَّنْتُ معه بالصَّلاةِ عن أمْرِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: أصبَحَ من مُؤذِّني رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمكَّةَ
وفي الحديثِ: بَيانُ كَيفيَّةِ الأذانِ، وأنَّه يُتخيَّرُ له حَسَنُ الصوتِ دُون غيرِه
وفيه: حِرْصُ السَّلفِ الصَّالِحِ على تَعلُّمِ أُمورِ الدِّينِ
وفيه: فضْلُ أبي محذورةَ رضِيَ اللهُ عنه؛ حيثُ ألْقى النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الأذانَ عليه بنفْسِه
وفيه: عظيمُ حِلْمِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ حيث لم يُعاقِبْ هؤلاء المُستهزئينَ بالمُؤذِّنِ
وفيه: تأليفُ مَن كان قريبَ العهْدِ بالإسلامِ؛ ليَثبُتَ الإيمانُ في قلْبِه بإعطاءِ شَيءٍ من المالِ