ما لمن أسلم وهاجر وجاهد 2
سنن النسائي
أخبرني إبراهيم بن يعقوب، قال: حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم، قال: حدثنا أبو عقيل عبد الله بن عقيل، قال: حدثنا موسى بن المسيب، عن سالم بن أبي الجعد، عن سبرة بن أبي فاكه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك، فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول، فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، ويقسم المال، فعصاه فجاهد، " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فمن فعل ذلك كان حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَحُثُّ على الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ويُبيِّنُ فضْلَه، سواءٌ لِمن قُتِل فيه أو لِمجرَّدِ المشارَكةِ
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أنا زَعيمٌ- والزَّعيمُ الحَميلُ-"، أي: ضامِنٌ وكَفيلٌ، وقيل: يُشبِهُ أنْ تكونَ هذه لَفظَةُ "الزَّعيمُ الحَميلُ" مُدْرَجةً مِن أحَدِ الرُّواةِ. قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لِمن آمَن بي"، أي: برِسالتي، "وأَسلَم"، أي: دخَل في الإسلامِ وأدَّى حقَّه، وفَعَل ما يَجبُ عليه كما أمَرَه اللهُ؛ فأطاعَ اللهَ ورسولَه، وفعَلَ الأوامرَ وانتَهى عن النَّواهِي، وحَفِظَ حدودَ اللهِ، "وهاجَر"، أي: إلى المدينَةِ زَمانَ الهجرةِ، أو هاجَر إلى اللهِ وهَجَر ما نَهى اللهُ عنه، "ببَيتٍ في رَبَضِ الجنَّةِ"، أي: فيما حولَها خارِجًا عنها، تَشبيهًا بالأبنيَةِ الَّتي تكونُ حولَ المدنِ، قيل: المرادُ هنا ما حولَ الجنَّةِ الدَّاخليُّ، لا الخارجيُّ؛ لأنَّ أهلَ الجنَّةِ لا يكونون خارجَها، "وببيتٍ في وسَطِ الجنَّةِ"، أي: وأنا زَعيمٌ لِمَن آمَن بي وأسلَم، وجاهَد في سَبيلِ اللهِ، ببيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ، وببيتٍ في وسَطِ الجنَّةِ، "وبَبيتٍ في أَعلى غُرَفِ الجنَّةِ"، أي: في عالِيَتِها؛ "مَن فعَل ذلك"، أي: آمَنَ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وأسلَم وجاهَد، "فلَم يدَعْ"، أي: لَم يَترُكْ، "للخيرِ مَطلبًا"، أي: إلَّا قصَدَه وحضَرَه ونال منه؛ وهذا كِنايةٌ عن لُزومِ الطَّاعاتِ والقُرباتِ، "ولا مِن الشَّرِّ مَهربًا"، أي: إلَّا ابتعَد عنه وفَرَّ منه؛ وهذا كِنايةٌ عن تَركِ المعاصي، "يموتُ حيثُ شاء أنْ يموتَ"، أي: فإنْ مات في أيِّ مَوضِعٍ كان؛ فإنَّ له ما ذُكِر مِن غُرَفِ الجنَّةِ، بالْتِزامِه ما سَبَق