ما يجوز للمحرم أكله من الصيد 1
سنن النسائي
أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن أبي النضر، عن نافع مولى أبي قتادة، عن أبي قتادة، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين، وهو غير محرم، ورأى حمارا وحشيا فاستوى على فرسه، ثم سأل أصحابه أن يناولوه سوطه، فأبوا فسألهم رمحه فأبوا فأخذه، ثم شد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم، فأدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألوه عن ذلك؟ فقال: «إنما هي طعمة أطعمكموها الله عز وجل»
أنزَلَ اللَّهُ تعالى القُرآنَ مُصَدِّقًا لِما بَينَ يَدَيه منَ الكُتُبِ السَّابقةِ
فكَثيرٌ منَ الأحكامِ التي حُرِّمَت في هذه الشَّريعةِ هي مُحرَّمةٌ أيضًا في الشَّرائِعِ السَّابقةِ، ولكِنَّ أتباعَ تلك الشَّرائِع غَيَّروا وبَدَّلوا وحَرَّفوا، وإنَّ ممَّا جاءَ تَحريمُه في الكُتُبِ السَّابقةِ مُوافِقًا لحُرمَتِه في هذه الشَّريعةِ الخَمرَ وآلاتِ اللَّعِبِ واللَّهوِ والمَزاميرَ؛ ولهذا قال الصَّحابيُّ الجَليلُ عَبدُ اللَّهِ بنُ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما، وكان عِندَه مَعرِفةٌ واطِّلاعٌ على الكُتُبِ السَّابقةِ: إنَّ قَولَه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] مَذكورٌ في التَّوراةِ بقَولِه: إنَّ اللهَ تعالى أنزَل الحَقَّ ليُذهِبَ به الباطِلَ، ويُبطِلَ به اللَّعِبَ والمَزاميرَ، والزَّفْنَ -أي: الرَّقصَ-، والكِنَّاراتِ -يَعني: البَرابطَ، والبَربَطُ: مَلهاةٌ تُشبِهُ العودَ، وهو فارِسيٌّ مُعرَّبٌ-، والزَّمَّاراتِ -يَعني: به الدُّفَّ-، والطَّنابيرَ -والطُّنبورُ: آلةٌ من آلاتِ الطَّرَبِ-، والشِّعرَ -أي: إنشادَ الشِّعرِ، والمُرادُ به الشِّعرُ الذي يَجُرُّ إلى المَعصيةِ أو كان فيه فُحشٌ-، والخَمرَ، أي: شُربَ الخَمرِ، وهي مُرَّةٌ لِمَن طَعِمَها فطَعمُها سَيِّئٌ. فأقسَمَ اللهُ بيَمينِه وعِزَّةِ حَيْلِه، أي: قُوَّتِه سُبحانَه، مَن شَرِبَها بَعدَما حَرَّمتُها لأعَطِّشَنَّه يَومَ القيامةِ، ومَن تَرَكَها بَعدَما حَرَّمتُها لأسقَينَّه إيَّاها، أي: سَوف يَشرَبُ الخَمرَ في الآخِرةِ، في حَظيرةِ القُدسِ. والمُرادُ بها الجَنَّةُ، والحَظيرةُ في الأصلِ: المَوضِعُ الذي يُحاطُ عليه لتَأويَ إليه الغَنَمُ والإبلُ، يَقيهما البَردَ والرِّيحَ، وقد جاءَ في الحَديثِ: لا يَلِجُ حَظيرةَ القُدسِ مُدمِنُ خَمرٍ
وفي الحَديثِ بَيانُ أنَّ كُتُبَ اللَّهِ تعالى وحيٌ يُوافِقُ بَعضُها بَعضًا في الأحكامِ
وفيه بَيانُ أنَّ آلاتِ اللَّهوِ والمَزاميرَ من عَمَلِ الشَّيطانِ
وفيه شِدَّةُ عُقوبةِ مَن شَرِب الخَمرَ بَعدَ تَحريمِها
وفيه ثَوابُ مَنِ امتَنَعَ مِن شُربِ الخَمرِ