ما يقول في قيامه ذلك 4
سنن النسائي
أخبرنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي حمزة، عن رجل من بني عبس، عن حذيفة، أنه صلى مع رسول صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فسمعه حين كبر قال: «الله أكبر ذا الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة»، وكان يقول في ركوعه: «سبحان ربي العظيم»، وإذا رفع رأسه من الركوع قال: «لربي الحمد، لربي الحمد»، وفي سجوده: «سبحان ربي الأعلى»، وبين السجدتين: «ربي اغفر لي، ربي اغفر لي»، وكان قيامه وركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريبا من السواء
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أتْقَى الناسِ وأعبدَهم لربِّه عزَّ وجلَّ، ومن ذلك أنَّه كان في صلاةِ اللَّيلِ يقومُ حتَّى تتورَّمَ قَدماهُ، مع أنَّه قد غُفِر له ما تَقدَّمَ مِن ذنْبِه وما تأخَّر؛ فكان هذا من بابِ الشُّكر للهِ تعالى، والتَّعليمِ لأُمَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
وفي هذا الحَديثِ يَحكي عوفُ بنُ مالكٍ الأشجعيُّ رضي اللهُ عنه: "أنَّه صلَّى مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ ليلةٍ"، أي: رافقَه في قِيامِ اللَّيلِ، "فسَمِعه حين كبَّر"، أي: سَمِع النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعد أنْ كبَّر تَكبيرةَ الإحرامِ؛ يقولُ: "اللهُ أكبرُ ذا الجبروتِ" مِن الجبرِ والقَهرِ، بمعنى: صاحِبَ القَهرِ البالغِ غايتَه، وقيل: الذي يَقهرُ العبادَ على ما أرادَ مِن أمْرٍ ونَهيٍ، "والملكوتِ"، أي: وصاحبَ التَّصرُّفِ البالغِ غايتَه في أهلِ السَّمواتِ والأرضِ، "والكِبرياءِ والعَظمةِ"، وهذا عِبارةٌ عن كَمالِ الذَّاتِ وكَمالِ الوجودِ، ولا يُوصَفُ بها إلَّا اللهُ سُبحانه وتَعالى، والكبرياءُ: الترفُّعُ على كلِّ مِن سِواه, بأنْ يرَى لذاتِه سُبحانَه فضلًا وشرفًا عليهم، والعظمةُ: الكمالُ والشَّرَفُ والاستغناءُ عن كلِّ ما سِواه
قال عوفٌ رضِيَ اللهُ عنه: "وكان يقولُ في رُكوعِه: سُبحان ربِّي العظيمِ"، أي: يُخصِّصُ الرُّكوعَ بهذا الثَّناءِ، ومعناه: نُمجِّدُ اللهَ عزَّ وجلَّ ونُثني عليه فيه بِعظمتِه، "وإذا رَفَع رأسَه منَ الرُّكوعِ قال: لربِّي الحمدُ لربِّي الحمدُ"، أي: الحمدُ كائنٌ لربِّي، لا لغيرِه، وأراد بتَكرارِه أنَّه كان يُكثرُ منه، والظَّاهرُ أنَّه يقولُ ذلك بعدَ قولِه: "سمِع اللهُ لِمَن حمِدَه، ربَّنا ولك الحمدُ"؛ لأنَّ التَّسميعَ من واجباتِ الصَّلاةِ، "وفي سُجودِه"، أي: ويَقولُ في السُّجودِ: "سُبحانَ ربِّي الأعْلى"، أي: يُخصِّصُ السُّجودَ بهذا الثَّناءِ، "وبين السَّجدتينِ"، أي: ويقولُ في الجِلسةِ الَّتي بين السَّجدتَينِ: "ربِّ اغفِر لي، ربِّ اغفِر لي"، أيِ: امحُ عنِّي خَطاياي وذُنوبي، وهذا مِن أدبِ الدُّعاءِ والتَّواضُعِ مع اللهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ مِثلَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعصومٌ عنِ الذَّنبِ والخطأِ، وتَكرارُ الدعاءِ لبيانِ شدَّةِ التَّواضعِ والتَّذلُّلِ للهِ "وكان قيامُه"، أي: وقوفُه للقِراءةِ، "ورُكوعُه"، أي: وطولُ وَقتِ رُكوعِه، "وإذا رفَع رأسَه منَ الرُّكوعِ، "وسُجودُه"، وما بين السَّجدتَين، قَريبًا منَ السَّواءِ"، أي: كان طولُ كلِّ تنقُّلٍ وحرَكةٍ في الصَّلاةِ مُماثلًا وقريبًا من بَعضِه في الوقتِ
وفي الحديث: بيانُ بعضِ أنواعِ الذِّكرِ المشروعِ في الاعتِدالِ من الرُّكوعِ
وفيه: بَيانُ ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن الاجتِهادِ في العِبادةِ
وفيه: التَّنبيهُ على تَكرارِ الدُّعاءِ إظهارًا للخُضوعِ والتَّذلُّلِ للهِ