محاضرة 38

بطاقات دعوية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.

 هذه المحاضرة هى الثامنة والثلاثون من علم العقيدة،وقد ذكرتُ فى المحاضرة السابقة عدة أمورٍأذكرُ منها:-

  • بينتُ أن الفطرةَ تدلُ على الصانع وأن أهل الكلام على رأسهم الأشاعرة يزعمون أن الفطرةَ لا تدلُ على الصانع واستخدم لفظ الصانع إذا كان الكلام منسوباً إلى أهل الكلام بل زعم الأشاعرة أن المعجزة من جنس السحر وأن الفرق بينهما أن صاحب المعجزة إدعى النبوة وأما الساحر فلم يدعى ذلك.
  • بينتُ كذلك أن العقلَ لا مدخلَ له فى معرفة الله سبحانه وتعالى.
  • بينتُ جواز عز وجل قياس الأولى) فى حق الله عز وجل وبطلان عز وجل قياس الشمول والتمثيل) فى حق الله تعالى.
  • بينتُ فساد أن الأشياء خلقتَ نفسها لأنها قبل وجودها كانت عدماً والعدمُ ليس بشىءٍ بإتفاق الأمُم.
  • بينتُ أن الله عز وجل يخلقُ بالأسباب لا عندها كما تزعمُ الأشاعرة وغيرهم.
  • بينتُ أن المرادَ بقولنا السبب أعنى السبب التام بمعنى كل سببٍ لابد له من شريك.
  • بينتُ فساد القولِ بأن الله يخلقُ بلا سبب وهذه عياذاً بالله فضيحة ولا يوجد لها مثال ويستحيلُ أن يوجد لها مثال.
  • بينتُ أن الأشاعرة يُكفرون من قال بأن الأشياء لها طبائع.

نبدءُ اليوم من الصورة الشركية فى توحيد الربوبية ألا وهى

عز وجل الاعتقادُ بأن الأسبابَ هى المُبدعةُ للمسببات)

قلتُ أولاً الحقُ ولا ريب أن السببَ لا يستقلُ بالحادث لا يستقلُ بالعمل بل لابد من توفر شروطٍ:

أولها أن يوجد السبب

ثانيها أن يوجد شريكٌ لهذا السبب

ومجموع السبب وشريكه هما السبب التام ولابد من انتفاء المانع والشرطُ الرابع الآكد إذنُ الله تبارك وتعالى.

أما أضربُ مثالاً على عُجالة الذى يردُ أن يزرع يأتى بالحب أو البذرة وهذا سبب يحرثُ الأرض وهذا سبب يكفرُ البذرة وهذا سبب يسقيها بالماء وهذا سبب يضعُ السماد وهذا سبب يحتاجُ إلى ماء وهواء إلى آخره كل هذه الأسباب التى علِمناها والتى لم نعلمها هى السبب التام ولكن مما لا شك فيه لابد من انتفاء الموانع أى لا يوجد دغل حول هذا النبات لأن لو وجُد الدغل أكل الغذاء ومات النبات كما هو معلوم عند أهل الصنعة ثم لا يُمكن إذا وُجد السبب والشريك وأنتفى المانع لا يُمكن أن ينبتَ النبات إلا إذا أذنَ الله تبارك وتعالى فى ذلك وهذه فى غاية الخطورة كما سيأتى إن شاء الله تعالى فالذين يقولون بأن الأسبابَ هى المُبدعة للمسببات يقصدون بدون إذن الله تبارك وتعالى فجعلوها تستقلُ بالحادث تستقلُ بالعمل وهذا لا يفعله إلا إله فقد جعلوا الأسباب من حيثُ لا يشعرون أنها آلهةً من دون الله عز وجل .

لذلك أضربُ عدة أمثلة تُبين هذه القضية الكبيرة والكبيرة جداً ثم أختمُ هذه الأمثلة بمثالٍ عظيمِ الشآن خطير المضمون كما سيأتى إن شاء الله تعالى .

المثال الأول / حديث متفق عليه عن عائشة رضى الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عز وجل والذي نفسي بيده، لا يدخل الجنة أحد منكم بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته) وفى رواية عز وجل بفضله ورحمته).

هذا الحديثُ عجيبٌ عز وجل لا يدخل الجنة أحد منكم بعمله ) عز وجل الباء) هنا ليست هى الباء السببة انتبه عز وجل الباء) هنا عز وجل باءُ) المقابلة بمعنى الجنة سلعة والسلعةُ لابد وأن يُدفع لها ثمن فهل الثمن الذى قدمته وهو العمل مُقابل هذه الجنة هذا يستحيل لذلك نبينا صلى الله عليه وسلم لما قال

عز وجل لا يدخل الجنة أحد منكم بعمله) قالوا ولا أنت أى ولا عملك يُقابلُ هذه السلعة وهى الجنة قال صلى الله عليه وسلم ولا أنا إلا أن يتغمدنى ربى برحمته.

إذاً لابد من إذن الله تبارك وتعالى لابد من فضله ورحمته ورحمتهُ تتضمنُ هذا الإذن ، نعم لابدَ وأن تأتىَّ بالسبب لأن الله عز وجل  يتكلمُ عن أهل الجنة ﴿جزاءً بما كانوا يعملون ﴾ عز وجل الباء) سببية بسبب العمل وعن أهل النار﴿جزاءً بما كانوا يعملون﴾ عز وجل فالباء) سببية مما لا شك فيه ولكن التى نتحدثُ عنها هنا عز وجل باء) المقابلة أى أن الثمن الذى دفعته وهو السبب ليس مقابلاً للجنة فلا يقدرُ على ذلك ولو كان النبى صلى الله عليه وسلم بل لابد من إذن الله فلو نظرتَ إلى هذا النص العبد المؤمن جاء بالسبب وجاء بشريك السبب وأنتفى المانعُ وهو الشرك بالله فما بقىَّ إلا إذن المولى عز وجل  والله لا يُخلفُ وعده وعليه من زعمَ أن السبب يستقلُ بالإيجاد فقد زعمَ أن السببَ يفعلُ ما يُريد وما يشاء وهذا الوصف وصفُ إله مما لا شك فيه ومن هنا جاء الشركُ عياذاً بالله تعالى صريحاً فانتبه إلى هذا المعنى.

الكمثال الثنى / أوضحُ من هذا المثال وأيضاً حديثٌ متفق عليه أعنى رواه الشيخان البخارى ومسلم رحمهما الله بسنديهما عن زيدٍ بن خالد رضي الله عنه قال صلى بنا النبى صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثرِ سماءِ يعنى كان يوجد سحابة كانت من الليل فلما أنصرف أقبل على الناس فقال صلى الله عليه وسلم عز وجل  هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا-أى الصحابة- الله ورسوله أعلم قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : أصبح من عبادى مؤمنٌ بى وكافرٌ بى فأما من قال مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمنُ بى كافرٌ بالكواكب وأما من قال مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافرٌ بى مؤمن بالكواكب)

انظر إلى هذا الحديث العجيب سحابةُ جاءت إذاً أمُطرنا فياترى هل هذه السحابة أمطرت ما فيها من ماءٍ بإرادتها المحضة بمشيئتها المحضة أم أن الله عز وجل  أمرها بإنزال هذا الماء مما لا شك فيه أمر الله عز وجل  بإنزال هذا الماء فمن قال بأنها هى التى أنزلت الماء ويقُصد بإراتها ومشيئها منقطعاً عن إرادة الله ومشيئة الله فهذا هو الذى قال صلى الله عليه وسلم فيه كافرٌ بى ومؤمنٌ بالكواكب عياذاً بالله تعالى ، ولكن قال أمُطرنا بفضل الله ورحمته فكأنه قال مع وجود السبب مع وجود الشريك مع انتفاء المانع والله لم ولن يحصُلَ المطر إلا إذا أذن الله تبارك وتعالى وإذنه بفضله ورحمته على البشرية لذلك كم من سحابةٍ جاءت بل ولُبدت السماءُ بالسحاب الأسود فتوفر السحاب وكما يقولون فى العلم الحديث المُنخفض الجوى ووجدت الشرارة كما يقولون فى علم الأرصاد والفلك وفجأةً تنقشعُ هذه السحابة وتصطعُ الشمس لما تخلفَ المطر؟

 لم يأذن المولى تبارك وتعالى فى ذلك ، إذاً لابد من إذن الله فمن زعم أن السبب قد استقل إذاً قد زعم أنه فعل بنفسه بإرادته بمشيئته دون إذن الله تبارك وتعالى فتبين أن هذا لونٌ من الشرك عياذاً بالله تعالى وأؤكد وانبه أكثر من مئات المرات هناك فرقٌ كبير بين أن يقعَ الشرك منك وأن يقعَ أثرُ الشرك عليه أى تصبحُ مُشركاً عياذاً بالله تعالى.

المثال الثالث / أوضحُ من المثال السابق حديثٌ رواه مسلم رحمه الله عن أبى هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم عز وجل  بَيْنا رَجُلٌ بفَلاةٍ مِنَ الأرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا في سَحابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ –قد يقول متحذلق سمع الصوت من السماء؟ نعم، سمعه ما العجبُ فى ذلك؟!! الصوت له طول موجى أذن الله عز وجل  لأذنه أن تستقبل هذا الطول ويسمع  عز وجل قالت نملة فتبسم أى سليمان ضاحكاً من قولها سمعها إى ورب الكعبة سمعها وهى تقول ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [سورة النمل:18]

سمعها سليمان؟

 قلت نعم ولما تبسم إذاً؟

 لأنه سمع ، وهل يسمعُ صوتها؟

 نعم، كلُ صوتٍ له طول موجى معين والله عز وجل  يُسمعُ من شاء ، لذلك قال صلى الله عليه وسلم عز وجل لولا ألا تدافنوا لدعوتُ الله أن يُسمعكم عذاب القبر) فنبينا كان يسمعهم بل قال بأن عذاب القبر يسمعه كلُ أحد إلا الثقلين إذاً له طول موجى معين أذن الله عز وجل  لمعين أن يسمعه فلا معنى لإنكار والحذلقة هذه كأن رجل ييقول مثلاً كيف سمعها؟

 كما تسمعُ أنت تماماً

عز وجل  فَسَمِعَ صَوْتًا في سَحابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، فَتَنَحَّى ذلكَ السَّحابُ- انتبه يعنى الأمر جاء إلى السحاب انظر فتنحى ذلك السحاب يعنى السحاب تحرك وترك بقية السحاب الذى بجواره إذاً السحاب يسمع؟ يسمعُ وربُ الكعبة - فأفْرَغَ –أى السحاب-ماءَهُ في حَرَّةٍ، فإذا شَرْجَةٌ مِن تِلكَ الشِّراجِ –الشرجة مثل القناة عند الفلاحين - قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذلكَ الماءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الماءَ، فإذا رَجُلٌ قائِمٌ في حَدِيقَتِهِ –يعنى وجد رجل فى هذه الحديقة - يُحَوِّلُ الماءَ بمِسْحاتِهِ-مثل الفاس يُحول به الماء-، فقالَ له: يا عَبْدَ اللهِ ما اسْمُكَ؟ قالَ: فُلانٌ، لِلاِسْمِ الذي سَمِعَ في السَّحابَةِ، فقالَ له-أىهذا الرجل صاحب الحديقة- : يا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فقالَ: إنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا في السَّحابِ الذي هذا ماؤُهُ يقولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، لاِسْمِكَ، فَما تَصْنَعُ فيها؟-ماالذى تفعله من أجل هذا الكرم وأن الله عز وجل  خصه بهذا المال ون من حولكَ - قالَ: أمَّا إذْ قُلْتَ هذا، فإنِّي أنْظُرُ إلى ما يَخْرُجُ مِنْها، فأتَصَدَّقُ بثُلُثِهِ، وآكُلُ أنا وعِيالِي ثُلُثًا، وأَرُدُّ فيها ثُلُثَهُ. رواه مسلمٌ

قلتُ كما ترى أن السحابَ لم تُنزل الماء إلا بعد إذن الله عز وجل  

أولا / أمرها بالتنحى

ثانيا / ثم هيىء لها الأسباب وأنتفت كلُ الموانع ثم قال لها كن أى أنزلى فنزلت

إذاً القولُ بأن الأسبابَ هى المودعة للمسببات كلامٌ كلهُ شرك عياذاً بالله تعالى ويكفى أن الله عز وجل  فى المثال السابق قال فذلك كافرٌ بى مؤمنُ بالكواكب نسألُ الله السلامة والعافية.

المثال الرابع / وهو المثال الذى قلتُ فيه فى بداية الكلام أنه مثالٌ فى غاية الأهمية ، نعم قلتُ فأختمها بمثالٍ عظيم الشأن خطير المضمون هذا المثال اسمه عز وجل لا عدوى) ولى كتابٌ مطبوع من خمسة عسرة سنة عنوانه عز وجل لا عدوى فى الإسلام) وهذه مسألة فى غاية الخطورة بلغة المصريين عز وجل  لا تقترب منه كى لا يعديك) عز وجل لم تأتى لى لكى لا أعديك) كل هذه الألفاظ عياذاً بالله تعالى شركٌ صريح فى باب ماذا؟

فى باب الربوبية ، ثم يقولون لا عذر فى توحيد الربوبية هذا من كيسك أما فى الشريعة آتى بمئات الآمثلة على الشرك فى الربوبية خطورة هذا المثال أن إثبات العدوى بقول القائل عز وجل عدتنى ) كما قلتُ شركٌ صريح والسبب أنه قال لما أقتربتُ منك –انتبه للكلام –فانتقل سببُ المرض الذى هو ماذا؟

 ميكروبات وفيروسات ،واعتقدُ أن مجرد الإنتقال يُثبتُ المرض مسألة فى غاية الخطورة يعنى رجل أقترب من رجل أنتقل سببُ المرض لأن المرض له سبب بعيد عن الأسباب الآخرى التى هى المعاصى أتكلمُ عن شىءٍ حسى فى التفصيل الذى هو ماذا؟ الميكروبات أو الفيروسات فإذا دخل فيه الميكروب وشاء الله أن يُصاب بنفس المرض يقول له عدتنى وهذا الفهم فيه مغالطات كثيرة جداً لذلك سيطول الكلام عن هذه المسألة قليلاً:

أولا / أن مُجرد انتقال السبب يُحدث مرض هذه مُغالطة لا يُمكن يتحملُها أحد أنا أدرى أن كثيراً من الأطباء يقولون هذا الكلام ولكن أنا أقول الطبُ لا يقولُ هذا الكلام بل الطب يقولون فلانٌ حاملٌ للمرض وليس مريض يعنى يقصدون حامل لسبب المرض وليس بمريض وهذه معروفة فى عالم الطب وهى من المعلومات والثقافات العامة لعلمِ الطب.

ثانياً/ أن ما سبق دعوةٌ خفية أيضاً أن السببَ يستقلُ بالفعل يعنى ماذا؟

دخل فيك السبب مباشرة يشتغل دون أمرٍ من خالقه تبارك وتعالى لذلك قررتُ شرح هذه المسألة مختصرة من خلال كتابنا عز وجل لا عدوى فى الإسلام) وإن شئت للتفصيل فعد إلى هذا الكتاب فإنه بحثٌ والله أعلم فى غايةِ الدقة.

أقولُ الميكروبات أو الفيروسات السبب ينتقلُ إلى الإنسان بطرقٍ لا يُمكن حصرها من الممكن أن ينتقل عن طريق الجو من الممكن أن ينتقل باللمس من الممكن أن ينتقل من الأكل من الممكن أن ينتقل من الشرب من الممكن أن ينتقل من إنسانٍ آخر بل والله من الممكن أن ينتقل بالتحديقِ فى شىءٍ مُعين يعنى ماذا؟

 يعنى تنظر لشىءٍ معين ينتقلُ إليك سبب المرض لذلك قال صلى الله عليه وسلم عز وجل لا تديموا النظر إلى المجذوم) امرٌ فى غاية الخطورة وكرة نُلقيها فى ملاعب أهل الأبحاث فى الطب ليبحثوا هذه المسألة لأنها فى غاية الأهمية .

السبب إذا دخل فى الجسم تولدت حالتان لا ثالث لهما:

الأولى / أنه حاملٌ للسبب ولكنه ليس مريضاً.

الثانية / أنه حاملةٌ للسبب وصار مريضاً

أقٌربها نجلسٌ فى مكانٍ واحد والفيروس يدخلٌ فى عز وجل سين) ولا يدخلُ فى عز وجل ص) أو يدخلُ فى عز وجل سين) ويدخلٌ فى عز وجل ص) فإذا بسين أُصيب بالمرض وإذا بسين سلم وإن كان حاملاً لهذا الفيروس.

إذاً القدرٌ المشترك هو أن السبب دخل الجسم القدر الخاص أن أحدهما أصبحَ مريضاً والآخر ليس مريضاً

إذاً دخول السبب ليس كافياً لتُصبحَ مريضاً بل لابد من أمر الله أى لابد من إذنه تبارك وتعالى أى لابد وأن يقول لهذا الميكروب وهذا الفيروس أعمل أشتغل قبل هذا الإذن قبل كُن لم ولن يكون قال تعالى عز وجل كن فيكون ) كن  هذه هى الوجود اللفظى فيكون الوجود العينى فإن لم يوجد الوجود اللفظىَّ لم ولن يوجد الوجود العينىَّ ، ولكن هنا فى الحقيقة مسألةٌ أشدُ دقة من السابقة شخصٌ مريض بمرضٍ ما نسألُ الله السلامة والعافية لنا ولكم إذاً هذا الشخص السبب دخل جسمه هذه واحدة والله عز وجل  قال لهذا السبب كن اشتغل فأصبح مريضاً السؤال الخطير قد يخرجُ بأى طريقة التنفس غير التنفس هذا السبب الذى أخذ أمراً بالعمل فى مُعين يخرجُ فيدخلُ فى شخصٍ آخر السؤالُ هنا هل يعملُ بالأمر القديم فى الشخص السابق أم لابد من أمرٍ جديد حتى يعمل؟

 هذه مسألة فى غاية الدقة من فهمها بطل قول من زعمَ أن الأسباب هى المبدعة للمسببات أقولُ مما لا شك فيه لابد من أمرٍ جديد لابد من أمرٍ جديد والأدلة على ذلك كثيرة جداً من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منها آية الإسراء قال تعالى

﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ﴾[سورة الإسراء:13]

 الطائر هو ما طار عنه من عمله يعنى الأعمال التى يعملُها فهى المحفوظة

﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [سورة ق:18]

ومعلوم أن الأمراض من المصائب التى سببُها الذنوب لذلك قال إبراهيم عليه السلام ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾[سورة الشعراء:79]  

فنسب الإطعام إلى الله والسُقيا إلى الله

ولما جاء إلى المرض

﴿وَإِذَا مَرِضْتُ ﴾[سورة الشعراء:80]

 فنسب المرض إلى نفسه

﴿ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾[سورة الشعراء:80]

ونسب الشفاء إلى الله عز وجل

إذاً كلُ إنسانٍ معلقٌ بقدره لا بقدرِ غيرهِ يعنى السبب دخل فى مُعين وأُمر هذا السبب أن يعملَ بكن إذا أنتقل السبب إلى آخر لابد من كُن جديدة لا يعملُ بكن السابقة فانتبه إلى هذا المعنى لذلك يقول المولى عز وجل  كما فى آية الحديد ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ ﴾[سورة الحديد:22]

 إذاً كلُ واحدٍ مكتوبٌ له فى كتابه ما سيحصلُ إذا لا اختلاط بين فقدرك وقدر غيرك ،  ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذى عن ابن مسعود عز وجل خلق الله كلُ نفسٍ وكتب حياتها ورزقها ومصائبها) إذاً كلُ إنسانٍ مُعلق بقدره هو إن تبين لك ما سبق علمتَ معنى عز وجل لا عدوى) أى المرض لا ينتقل من شخصٍ إلى آخر إنما الذى ينتقلُ هو سبب المرض وعليه إن كان سبب المرض ينتقل فإن أمره الأول فى الشخص الأول لا يعملُ به فى الثانى ولذلك نجدُ أن نبينا صلى الله عليه وسلم حسم مادة الشرك أعنى أن السبب يستقلُ بالحادث يعنى أصبح هذا السبب شريكاً لله عز وجل  وهذا شركٌ فى الربوبية فإن الله عز وجل  حسم هذه المادة قولاً واحداً فقال كما روى البخارى رحمه الله عن أبى هريرة رضي الله عنه عز وجل لا عدوى ولا سفر ولا هامة) الذى يعنينا هنا لا عدوى انظر فإذا بأعرابىَّ يقول يارسول الله فما بال إبلى تكون فى الرمل كأنها الظباء –يعنى نشيطة تجرى مثل الغزال وصحتها قوية – فيأتى البعير الأجرب فيجربها-انتبه إلى جواب النبى كلمة واحدة تمنع التسلسل – قال فمن أعدى الأول – يعنى ايه هذا الكلام ؟

 أول بعير على وجه الأرض لما أصيب بالجرب من الذى أصابه؟

لا جواب إلا أن الله عز وجل  قد أصابه بأمره الكونى القدرى فكأن النبى صلى الله عليه وسلم يقول له كما أن الله عز وجل  أصاب أولَ بعير بأمره الكونى القدرى فالبعيرُ الثانى والثالث إلى يوم القيامة اصابتُها ابتداءاً من الله بأمرِها الكونىَّ القدرىَّ إذاً الأمرُ الكونىَّ القدرىَّ فى الثاني غيرُ الأمرِ الكونىَّ القدرىَّ فى الأول وهذه لله الفضل والمنة واضحة.

 لذلك روى أحمد رحمه الله عن ابن مسعود رضي الله عنه  كلمة عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنهت هذا الموضوع حيثُ قال عز وجل  لا يُعدى شىءٌ شيئا )

 ما معنى لا يُعدى؟

 لا ينقل إليه المرض لا ينفى أن السببَ قد ينتقل لا يُعدى شيىٌ شيئا يعنى لا يوجد شىء اسمه أن المرض ينتقل من شخصٍ إلى آخر وإن كان السببُ قد يتنقل من شخصٍ إلى آخر فمُجرد الإنتقال ليس معنى أنتقالاً للمرض لأن المرضَ فى الأول كان سبب ومعه أمرٌ كونىَّ قدرىَّ من الله عز وجل  عز وجل كن) فانتقل السببُ ولم ينتقل الأمرالكونى القدرى لأن كُل إنسان له قدرٌ يخصهُ فهذه انتبه لها فهى فى غاية الأهمية.

 والذى يُؤكدُ ما سبق أن المريضَ لا يَستقِلُ بإصابةِ غيره حديثٌ رواه البخارى رحمه الله عن أسامة بن زيد k قال صلى الله عليه وسلم عز وجل  الطاعون رجسٌ أُرسلَ على طائفةٍ من بنى اسرائيل أو على من كان قبلكم -الراوى شك – فإذا سمعتم به –أى نزل الطاعون -بأرضٍ فلا تقدموا عليه – يعنى لا تذهبوا هذه البلد – وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه)

الشاهد فى هذا الحديث عز وجل فإذا سمعتم به بأرضٍ فلا تقدموا عليه) أى لا تدخلوها وهذه مسألة كبيرة ستأتى أعنى مسألة عز وجل الوقاية) وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فرارراً منها ، إذاً نبينا صلى الله عليه وسلم بيقول للذى بالداخل لا تخرج فإن كان المرضُ هو الذى ينتقل لقال له صلى الله عليه وسلم أخرج فراراً منه بدلاً من قوله عز وجل فلا تخرجوا فراراً منه) لأن النبى صلى الله عليه وسلم لا يجعلُ أحداً فى مظنةِ الهلكة عياذاً بالله تعالى أما الجزئيةُ الأولى فلا تقدم عليها هذه ستأتى إن شاء الله تعالى الذى يؤكدُ أن المريضَ لا يستقلُ بالإصابة ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال عز وجل أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العانى) عودوا المريض يعنى زوروه بل ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال عز وجل حقُ المسلم على المسلم ست) وذكر منها عيادةُ المريض ، إذاً لو كان المرضُ هو الذى ينتقل كيف يقول له عودوا المريض؟!

 هذا يستحيل قد يقول القائل ولما أمره بزيارته مع إحتمال أن السببَ ينتقلُ إليه؟

 قلتُ إنتقالُ السبب لا يضُرنا فى شىء القضية أنك تظنُ كذا أن السبب يعمل أو مُبدع للمرض نسأل الله السلامة والعافية وستأتى هذه الجزئية فى مكانها بالتفصيل إن شاء الله تعالى ، لذلك يقول صلى الله عليه وسلم عز وجل عَائِدُ المَرِيضِ في مَخْرَفَةِ الجَنَّةِ حتَّى يَرْجِعَ) يعنى هذا فيه حث ، نبينا صلى الله عليه وسلم يحثُ على عيادة المريض لذلك هنا مسائل كثيرة إن شاء الله تعالى تأتى فإن قيل الإذنُ بالعيادة لا يلزمُ مخالطة واحد يقول لك هو صحيح أمرنا بعيادة المريض ولكن هذه لا تلزمُ المخالطة قلتُ بل تلزمُ المخالطة لإن العيادة من التكرار ولا تُسمى عيادة كالعيد تماماً لأنه يُكرر من أجل ذلك قيل عيد وكذلك قيل عيادة أى حثَ الصحيح على زيارةِ المريض ومادة اللفظ دلت على ذلك كما بينتُ بل إن الشارع أذنَ لنا برقيةِ من ؟

 المريض ، ومن الرُقية ما فيه مُلامسة وهذه ثابتة كما عند مسلم رحمه الله عن عائشة i قالت عز وجل كان صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحدٌ من أهل بيته نفث عليه بالمعوذات –أى يقرأ قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس- ويسمحُ بها المريض) فهذه أشد من المخالطة بل هذا لمسٌ صريح له وهذه واضحة جداً فى حديث أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه فى قصة سليم القوم لما كان أبو سعيد الخدرى وبعضُ أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم نزلوا على قومٍ فطلبوا الضيافة لأن الضيافة حقٌ شرعى كما هو معلوم فلم يُضيفوهم -قالوا لهم لا حاجة لكم عندنا- فباتوا فإذا بسليم القوم –وهذه من باب التفاؤل يعنى رئيسهم وكبيرهم رئيس القبيلة- لدغته عقربة فجاء صارخٌ من عندهم إلى أبى سعيد وأصحابه فقال هل من راقٍ

؟ فقالوا إنكم لم تُضيفونا ولا نفعلُ إلا إذا جعلتم بنا جُعلا- يعنى تعطونا شىء نتفق عليه- فاتفقوا فقام أبو سعيد فنفث فى يديه بالفاتحة ومسح على الرجل فقام كأنه نشط هذه ملامسة صريحة وليست مخالطة فقط هذه مُخالطة مع ملامسة الذى يُؤكدُ أن المريضَ لا يستقلُ بالإصابة وأن إنتقال سببُ المرض لا يستقلُ بالإصابة هذا الحديثُ العجيب ما رواه مُفضل ابنُ فُضالة عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد المجذوم فوضعها معه فى قصعته وقال صلى الله عليه وسلم له كُل بسم الله وتوكلاً على الله فلو كان المرضُ هو الذى ينتقل كيف يفعلُ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم ويأتى بيد المجذوم ويضعها فى قصعته وأكل مع النبى صلى الله عليه وسلم قد يقول القائل النبى صلى الله عليه وسلم قال عز وجل  فر من المجذوم فرارك من الأسد ) ستأتى إن شاء الله وتعلم كيف توجهُ مثل هذه النصوص قلتُ والذى يُؤكدُ أن المريضَ لا يستقلُ بالإصابة صورتان:-

الصورة الأولى / أن الإنسان قد يكونُ حاملاً للسبب التام وليس مريضاً لذلك كما قلتُ آنفاً فى الطب يقولون هذا الإنسانُ حاملٌ للمرض وليس بمريض.

الصورة الثانية / أن سبب المرض كالفيروس مثلاً الفيروس نشط وما كان فى معناه ثبت أنه أنتقل من المُصاب إلى المريض ومع ذلك لم يعمل كما هو معلومٌ فى بابه.

فتبين مما سبق أنه ليس للأسباب من الأمر شىءٌ وقد زعم المشركون أنها لها من الأمر كل شىء وهذا شركٌ عياذاً بالله تعالى تبين أنه لا يأتى بالحسنات إلا الله ولا يذهبُ بالسيئات إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

تبين أن التوحيد سببُ النجاه وأن الشركَ سببُ الهلاكِ عياذاً بالله تعالى، لذلك يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله فى عز وجل مفتاح دار السعادة) عز وجل فالتوحيد من أقوى أسباب الأمنِ من المخاوف والشركُ من أعظمِ أسباب حصولِ المخاوف ولذلك من خاف شيئاً غير الله سُلط عليه وكان خوفهُ منه هو سببُ تسليطهُ عليه ولو خاف الله دونه ولم يخفه لكان عدمُ خوفه منه وتوكله علي الله من أعظمِ أسباب نجاته منه وكذلك من رجى شيئاً غيرَ الله حُرم ما رجاه منه وكان رجاءه غير الله من أقوى أسباب حرمانه فإذا رجى الله وحده كان توحيدُ رجاءه أقوى أسباب الفوزِ بما رجاه أو بنظيره أو بما هو أنفع له منه والله الموفقُ للصواب) أنتهى كلام ابن قيم الجوزية رحمه الله .

قلتُ ما سبق تبين أن مسألة العدوى دلت على صحةِ مذهب أهل السنة والجماعة وذلك لأنهم يُثبتون الأسباب شرعاً وقدراً على التفصيلِ السابق لذلك المولى عز وجل يقول ﴿بما كنتم تعملون﴾ هذه باء السببية وقال تعالى ﴿بما كنتم تكسبون﴾ هذه الباء هى باء السببية وقال تعالى﴿بما قدمت أيديكما﴾ هذه أيضاً هى باء السببية ، أهمُ شىءٍ أن مسألة العدوى دلت على بطلانِ مذهبِ المرجئة جملاً وتفصيلاً حيثُ جعلوا الأعمال ليست من الإيمان ففصلوا الجارحة عن القلب عياذاً بالله تعالى كما بينا ذلك.

فائدة آخرى دلتُ مسألة العدوى على بطلان مذهب الأشاعرة حيثُ يُنفون الأسباب رأساً فلا يوجد عندهم شىء يُسمى سبب أن الله عز وجل يعملُ لسبب أن الله عز وجل  يعملُ لعلة أن الله عز وجل  يعملُ لحكمة كل هذا الكلام مُنتفى عندهم تماماً عياذاً بالله تعالى وأيضاً دل على بُطلام مذهب الأشاعرة فى طبائع الأشياء أن الله عز وجل  لو أذنَ لهذا الميكروب أو لهذا الفيروس أن يعمل عمل بما فيه من طبائعٍ كما بينتً ذلك آنفاً  هذه المسألة طويلة جداً.

نكتفى بهذا القدر وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وإن شاء الله تعالى نُكملها فى المحاضرة القادمة.