مسند أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه 54
حدثنا ابن نمير، عن عثمان يعني ابن حكيم، أخبرني عامر بن سعد، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها وقال: " المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يخرج منها أحد رغبة عنها، إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها، إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة "
قَوْلُهُ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ : قَالَ ذَلِكَ فِي نَاسٍ يَتْرُكُونَ الْمَدِينَةَ إِلَى بَعْضِ بِلَادِ الرَّخَاءِ ; كَالشَّامِ وَغَيْرِهِ
أَيِ : الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لِأُولَئِكَ التَّارِكِينَ لَهَا مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ الَّتِي يَتْرُكُونَهَا لِأَجْلِهَا ، فَلَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى تَفْضِيلِ أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ .
وَقَوْلُهُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ : لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا خَيْرٌ عَلَى تَقْدِيرِ الْعِلْمِ ; إِذِ الْمَدِينَةُ خَيْرٌ ، عَلِمُوا بِذَلِكَ أَوْ جَهِلُوا ، بَلِ الْمُرَادُ : لَوْ عَلِمُوا بِذَلِكَ ، لَمَا فَارَقُوهَا ، وَقَدْ تُجْعَلُ كَلِمَةُ "لَوْ" لِلتَّمَنِّي ، لَكِنْ يُشْكِلُ الْمَعْنَى بِأَنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ عَلِمُوا بِبُلُوغِ الْخَبَرِ لَهُمْ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَارَقُوهَا ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : لَوْ عَلِمُوا بِذَلِكَ ، لَمَا فَارَقُوهَا ؟
وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ : بِأَنَّ الْمُرَادَ لَوْ عَلِمُوا بِذَلِكَ عِيَانًا ، وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ ، أَوْ هُوَ مِنْ تَنْزِيلِ الْعَالِمِ الَّذِي لَا يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ كَالْجَاهِلِ .
وَقَدْ يُقَالُ : الْمُرَادُ : الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ; إِذِ الْبَلْدَةُ الشَّرِيفَةُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا إِلَّا الْأَهْلُ الشَّرِيفُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِعِلْمِهِمْ .
وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فَلَا يَنْتَفِعُ بِالْبَلْدَةِ الشَّرِيفَةِ ، بَلْ رُبَّمَا يَتَضَرَّرُ ، فَخَيْرِيَّةُ الْبَلْدَةِ لَيْسَتْ إِلَّا لِأَهْلِهَا الَّذِينَ يَلِيقُ بِهِمُ الْإِقَامَةُ فِيهَا .
* "عَلَى لَأْوَائِهَا " : - بِفَتْحِ لَامٍ وَسُكُونِ هَمْزَةٍ وَمَدٍّ - ; أَيْ : شِدَّتِهَا وَضِيقِ الْعَيْشِ فِيهَا .
* "وَجَهْدُهَا " : - بِفَتْحِ الْجِيمِ - الْمَشَقَّةُ .
"