مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 44
حدثنا عفان، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا يونس بن عبيد، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن مطرف بن الشخير، أنه حدثهم
عن أبي برزة الأسلمي، أنه قال: كنا عند أبي بكر الصديق في عمله، فغضب على رجل من المسلمين، فاشتد غضبه عليه جدا، فلما رأيت ذلك قلت: يا خليفة رسول الله أضرب عنقه، فلما ذكرت القتل صرف عن ذلك الحديث أجمع إلى غير ذلك من النحو، فلما تفرقنا أرسل إلي بعد ذلك أبو بكر الصديق، فقال: يا أبا برزة ما قلت؟ قال: ونسيت الذي قلت، قلت: ذكرنيه، قال: أما تذكر ما قلت؟ قال: قلت: لا والله. قال: أرأيت حين رأيتني غضبت على الرجل فقلت: أضرب عنقه يا خليفة رسول الله؟ أما تذكر ذاك؟ أو كنت فاعلا ذاك؟ قال: قلت: نعم والله، والآن إن أمرتني فعلت. قال: ويحك - أو: ويلك - إن تلكوالله ما هي لأحد بعد محمد صلى الله عليه وسلم
النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أفضلُ الخَلقِ، وقدْ خصَّه اللهُ تعالى بخَصائصَ جليلةٍ؛ ومِن ذلك: أنَّ مَن سَبَّه وجَبَ قتْلُه، وليس هذا لأحَدٍ غيرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أبو برْزَةَ رضِيَ اللهُ عنه:
"كنتُ عند أبي بكْرٍ، فتغَيَّظَ"، أي: غضِبَ أبو بكْرٍ،
"على رجُلٍ" لم يذكُرِ اسمَه، قيل: لأنَّه سَبَّ أبا بكْرٍ،
وقيل: أغلَظَ القوْلَ له، "فاشتَدَّ"، أي: الرَّجلُ،
"عليهِ"، أي: على أبي بكْرٍ وسَبَّه، أو اشتَدَّ غضَبُ أبي بكْرٍ على ذلك الرَّجلِ،
"فقلتُ"؛ القائل أبو برْزَةَ: "تأذَنُ لي يا خليفَةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أضرِبُ عنُقَه"؛
لكي أقتُلَه، "قال" أبو برْزَةَ: "فأذهبَتْ كلِمَتي" هذه الَّتي قُلتُها له في استِئذانه بالقتْلِ،
"غضَبَه"، أي: أذهبتْ غَضَبَ أبي بكْرٍ، "فقام" أبو بكْرٍ، "فدخَلَ" بيْتَه، "فأرسَلَ إليَّ" أحدًا ودعاني إلى بيْتِه،
"فقال" أبو بكْرٍ: "ما الَّذي قلتَ آنِفًا؟"؛ عند تَغيُّظي وغَضَبي على الرَّجلِ،
"قلتُ" له إنِّي قلْتُ لك: "ائذَن لي أضرِبُ عنُقَه"، أي: عنُقَ الرَّجلِ الَّذي أغضَبَكَ.
"قال" أبو بكْرٍ: "أكنتَ فاعلًا لو أمرْتُكَ؟"، أي: هل ستقتُلُه بضرْبِ عنُقِه لو أمرْتُكَ بذلك،
قال أبو برْزَةَ، "قلتُ: نعم"، أي: أنِّي سأفعَلُ ذلك وأقتُلُه،
قال أبو بكْرٍ: "لا واللهِ"، أي: لا يَجوزُ واللهِ،
"ما كانت لبشَرٍ بعْد محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ"، أي: هذا من خَصائصِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقط، وأمَّا غيرُه من الخُلفاءِ، والأُمَراءِ لو تغيَّظوا على أحَدٍ أو سبَّهم أحَدٌ،
وأَمَروا بقتْلِه فلا يجوزُ قتْلُه.
وفي الحَديثِ: فضلُ أبي بكْرٍ الصِّدِّيقِ رضِيَ اللهُ عنه وحِلْمُه، حيثُ لم يُعزِّرِ الرَّجلَ بالتَّأديبِ ونحوِه.
وفيهِ: أنَّ حكْمَ سَبِّ أبي بكْرٍ رضِيَ اللهُ عنه أو غيرِه من الصَّحابَةِ ليس كحُكْمِ سَبِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.