مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 46
حدثنا موسى بن داود، حدثنا عبد الله بن المؤمل، عن ابن أبي مليكة، قال:
كان ربما سقط الخطام من يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال: فيضرب بذراع ناقته فينيخها فيأخذه، قال: فقالوا له: أفلا أمرتنا نناولكه؟ فقال: إن حبي (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن لا أسأل الناس شيئا (2)
قوله: الخطام : - بكسر الخاء - : حبل يقاد به البعير.
"فينيخها" : من الإناخة.
"حبي" : - بكسر الحاء وتشديد الباء - ; أي: محبوبي.
هذه بعض المواقف والأحاديث النبوية في النهي عن سؤال الناس، وبيان الأجر الكبير في ذلك، فمن أراد تحصيل ما فيها من الأجر العظيم ـ وهو تكفل النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ـ،
فليترك سؤال الناس في القليل والكثير، والجليل والحقير، وليس كل الناس يستطيع فعل ذلك،
فما لم يضطر الإنسان إلى سؤاله: لم يسأله، وما دفعته الضرورة إليه، فلا حرج عليه في سؤاله.
ولذلك لم يبايع النبي صلى الله عليه وسلم جميع الصحابة عليه، ولم يأمرهم به،
وقد استنبط بعض العلماء ذلك من إسراره صلى الله عليه وسلم بعدم سؤال الناس في حديث عوف بن مالك رضي الله عنه الكلمة: (وأسر كلمة خفية، ولا تسألوا الناس شيئا)،
قال العيني: "قوله: (وأسر كلمة خفية) يشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم أسرَّ النهي عن السؤال، ليخص به بعضهم دون بعضهم ولا يعمهم بذلك، لأنه لا يمكن العموم، إذ لا بد من السؤال، ولا بد من التعفف، ولا بد من الغنى، ولا بد من الفقر، وقد قضى الله تبارك وتعالى بذلك كله، فلا بد أن ينقسم الخلق إلى الوجهين".
وقال ابن تيمية: "مَسْأَلَةُ الْمَخْلُوق مُحَرَّمَة في الأَصْل، وإِنَّما أُبِيحَتْ لِلضَّرُورة، وفي النَّهْي عنْها أحادِيثُ كثيرة"