مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه16
مسند احمد
حدثنا أسود بن عامر، حدثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال عمر: يا رسول الله، لقد سمعت فلانا وفلانا يحسنان الثناء، يذكران أنك أعطيتهما دينارين، قال: فقال (1) النبي صلى الله عليه وسلم: " لكن والله فلانا ما هو كذلك لقد أعطيته من عشرة إلى مائة، فما يقول ذاك، أما والله إن أحدكم ليخرج (2) مسألته من عندي يتأبطها " يعني تكون تحت إبطه، يعني نارا، (3) قال: قال عمر: يا رسول الله لم تعطيها (4) إياهم؟ قال: " فما أصنع يأبون إلا ذاك، ويأبى الله لي البخل " (5)
أمَر اللهُ عزَّ وجلَّ المُسلِمَ بالتَّعفُّفِ عمَّا في أيْدي النَّاسِ، وألَّا يَسأَلَ النَّاسَ ومعَه ما يَكْفيهِ، فمَن سأل النَّاسَ وله ما يُغْنيهِ عن سُؤالِهم؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ سيُعاقِبُه على ذلك يَومَ القيامةِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه أخبَرَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه سمِع شَخصًا يُثْني على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالخَيرِ؛ لأنَّه أعْطاه دينارَينِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتعجِّبًا ومُظهِرًا الفَرقَ بينَ رجُلَينِ أحَدُهما أعْطاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَليلًا منَ المالِ، فشكَر له ذلك، وبينَ رَجلٍ آخَرَ يُعْطيه ما بينَ العَشَرةِ إلى المِئةِ منَ الدَّنانيرِ، ولكنَّه لا يَرْضى ولا يَشكُرُ له ذلك.
ثمَّ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن سوءِ عاقِبةِ المَسألةِ والإلحاحِ فيها دونَ حاجةٍ، بأنَّ الرَّجلَ ممَّن يكونُ له مالٌ يُغْنيهِ عنِ السُّؤالِ، يأْتي ليَطلُبَ مالًا، فيُعْطيهِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو يَعلَمُ أنَّه لا يَحْتاجُ إلى هذا المالِ، وفي الحَقيقةِ أنَّ هذا الرَّجلَ يأْتي يَومَ القيامةِ بما أخَذ في الدُّنْيا، فيَحمِلُه في حِضنِه نارًا، كما حمَلَه في الدُّنْيا، وأخَذ ما لا يَحِلُّ له، فالجَزاءُ من جِنسِ العَمَلِ، فكما حمَله في الدُّنْيا مالًا، حمَلَه في الآخِرةِ نارًا.
فاستَفسَرَ عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه عن سَببِ عَطاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأحَدِهم وهي عليه نارٌ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «فما أصنَعُ يأبَوْنَ إلَّا أنْ يَسْألونِ»؛ أي: يَطلُبوا منِّي المالَ، «ويَأْبى اللهُ عزَّ وجلَّ لي البُخلَ»، فليْس هو ببَخيلٍ، ولا يَنبَغي له أنْ يَبخَلَ بالمالِ فيُعْطيهم ليُرْضيَهم.
وفي هذا إشارةٌ وتَحذيرٌ إلى أنَّ الإنْسانَ مَأمورٌ بتَركِ المَسألةِ إلَّا لحاجةٍ، ولْيَقنَعْ بالقَليلِ.