‌‌مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه182

مسند احمد

‌‌مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه182

حدثنا يحيى بن سعيد، عن مجالد، قال: حدثني أبو الوداك، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم في العزل، قال: " اصنعوا ما بدا لكم، فإن قدر الله شيئا كان " (1)

في هذا الحَديثِ يَقولُ أبو سَعيدٍ الخُدريُّ رَضِيَ اللهُ عنه: "أصَبْنا سَبايا"، والسَّبيُ: هو النِّساءُ اللَّاتي يُؤخَذْنَ مِنَ الكُفَّارِ بَعدَ قِتالِهم، "يَومَ حُنَينٍ" وحُنَينٌ: وادٍ كَبيرٌ بيْنَ مَكَّةَ والطَّائِفِ، وكانتْ تلك الغَزوةُ في السَّنةِ الثَّامِنةِ مِنَ الهِجرةِ عَقِبَ فَتحِ مَكَّةَ، وحارَبَ فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَن معه مِنَ المُسلِمينَ قَبِيلَتَيْ هَوازِنَ وثَقيفٍ، "فكُنَّا نَعزِلُ عَنهُنَّ"، والمُرادُ به: عَزْلُ الرَّجُلِ مَنِيَّه عن زَوجَتِه، أو أَمَتِه في أثناءِ الجِماعِ، "نَلتَمِسُ أنْ نُفادِيَهِنَّ مِن أهلِهِنَّ"، أي: وكُنَّا نُريدُ أنْ نَأخُذَ فيهِنَّ الفِديةَ مِن أهلِهِنَّ، "فقالَ بَعضُنا لِبَعضٍ: تَفعَلونَ هذا وفيكم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟!" وكَأنَّهم أنكَرَوا على بَعضِهم العَزلَ مع ما يَكونُ فيه مِن مَفهومِ قَتْلِ الوَلَدِ، وكانَ يُسَمَّى عِندَ اليَهودِ حينَئِذٍ المَوءودةَ الصُّغرى، "ائْتُوه، فسَلُوه. فأتَيناهُ -أو ذَكَرْنا ذلك له- قالَ: ما مِن كُلِّ الماءِ يَكونُ الوَلَدُ"، بمَعنى: ليس كُلُّ مَنيِّ الرِّجالِ يَكونُ منه الوَلَدُ والإنجابُ، "إذا قَضَى اللهُ أمرًا كانَ"، بمَعنى: أنَّه ما قَدَّرَه اللهُ في عِلْمِه الأزَليِّ يَقَعُ؛ فما مِن نَفْسٍ كائِنةٍ في عِلْمِ اللهِ تَعالى إلَّا لا بُدَّ مِن مَجِيئِها مِنَ العَدَمِ إلى الوُجودِ، سَواءٌ حَدَثَ العَزلُ أو لم يَحدُثْ، وهذا يَتضَمَّنُ الإباحةَ والجَوازَ؛ فإنَّه لا يُمنَعُ أنْ يَعزِلَ الرَّجُلُ عن زَوجَتِه أو أَمَتِه إنْ لم يُرِدِ الوَلَدَ.
قال أبو سَعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه: "ومَرَرْنا بالقُدُورِ" جَمعُ قِدرٍ، وهي الآنيةُ التي يُطبَخُ فيها الطَّعامُ، "وهي تَغْلي" بالطَّعامِ على النَّارِ، "فقالَ لنا: ما هذا اللَّحمُ؟ فقُلْنا: لَحمُ حُمُرٍ. فقالَ لنا: أهْليَّةٌ أو وَحشيَّةٌ؟ فقُلْنا له: بلْ أهليَّةٌ. قالَ: فقالَ لنا: فاكْفِئوها"، وهذا أمرٌ بأنْ تُفَرَّغَ القُدورُ التي يُطبَخُ فيها اللَّحمُ على الأرضِ وتُكسَرَ، والمُرادُ: نَهيُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن أكْلِ تلك اللُّحومِ، "قالَ: فكَفَأْناها وإنَّا لَجِياعٌ نَشتَهيه"، أي: نَرغَبُ في أكلِه؛ لِشِدَّةِ الجُوعِ، والحُمُرُ الإنسيَّةُ: هي الحُمُرُ التي يَستَعمِلُها الناسُ في رُكوبِهم وأحمالِهم، وهي المُحَرَّمةُ، أمَّا الوَحشيَّةُ التي تَعيشُ في الصَّحراءِ وتَأكُلُ مِن أعشابِها؛ فحَلالٌ أكْلُها.
قال أبو سَعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه: "وكُنَّا نُؤمَرُ أنْ نُوكِئَ الأسقيةَ"، أي: نُغَطِّيَ أوعيةَ الطَّعامِ والشَّرابِ، فنُحافِظَ على ما فيها مِنَ الحَشَراتِ والهَوامِّ، والأسقيةُ: أوعيةٌ مِنَ الجِلْدِ تُوضَعُ فيها الأشرِبةُ، والوِكاءُ هو الخَيطُ .