مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه313
مسند احمد
حدثنا يونس، حدثنا ليث، عن ابن عجلان، عن صيفي أبي سعيد (1) مولى الأنصار، عن أبي السائب، أنه قال: أتيت أبا سعيد الخدري، فبينا أنا جالس عنده إذ سمعت تحت سريره تحريك شيء، فنظرت فإذا حية فقمت، فقال أبو سعيد: ما لك؟ قلت: حية هاهنا، فقال: فتريد ماذا؟ فقلت: أريد قتلها، فأشار لي إلى بيت في داره تلقاء بيته، فقال: إن ابن عم لي كان في هذا البيت، فلما كان يوم الأحزاب استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله، وكان حديث عهد بعرس، فأذن له وأمره أن يذهب بسلاحه معه، فأتى داره فوجد امرأته قائمة على باب البيت، فأشار إليها بالرمح، فقالت: لا تعجل حتى تنظر ما أخرجني، فدخل البيت، فإذا حية منكرة فطعنها بالرمح، ثم خرج بها في الرمح ترتكض، قال: لا أدري أيهما كان أسرع موتا الرجل أو الحية، فأتى قومه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ادع الله أن يرد صاحبنا، قال: " استغفروا لصاحبكم " مرتين ثم قال: " إن نفرا من الجن أسلموا، فإذا رأيتم أحدا منهم فحذروه ثلاث مرات، ثم إن بدا لكم بعد أن تقتلوه، فاقتلوه بعد الثالثة " (2)
الجنُّ أجسامٌ ناريَّةٌ قابلةٌ للتَّشكُّلِ بأشكالٍ مُختلِفةٍ، وهُم مَخلوقاتٌ غيرُ مَنظورةٍ لنا، وقدْ يُرِيها اللهُ مَن شاءَ مِن خَلْقِه، مُكلَّفونَ مِثلَنا، منهم المؤمنونَ والكافرونَ والعُصاةِ، ومنهم الطَّيِّبُ والخبيث.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «أنَّ بالمدينةِ» النَّبويَّةِ «نَفَرًا» وهو مِن الثَّلاثةِ إلى العَشَرةِ «مِن الجِنِّ قدْ أَسْلَمُوا» أي: دَخلوا دِينَ الإسلامِ، «فمَنْ رأَى شيئًا مِن هذه العَوَامِرِ» وهي نَوعٌ مِن الحيَّاتِ الَّتي تَسكُنُ البيوتَ، قيل: سُمِّيَت عَوامِرَ؛ لطُولِ عُمرِها «فَلْيُؤْذِنْه ثلاثًا»، أي: يُعْلِمْه ويَدَعْ له مُدَّةَ ثلاثةِ أيَّامٍ، كما في رِوايةٍ لمسلمٍ، كأنْ يقولَ الَّذي يَرى الحيَّةَ في بَيتِه: أُحرِّجُ عليكِ أيَّتُها الحيَّةُ باللهِ واليومِ الآخِرِ أنْ تَظْهري لنا أو تُؤذِيَنا، فيَطلُبُ منه الخروجَ من البيتِ؛ فلعلَّه مِن الجِنِّ المُسلِمِ، فإنْ لم يَخرُج «فَلْيَقْتُلْهُ؛ فإنَّه شَيطانٌ» وليْس مِن عَوَامِرِ البُيوتِ ولا مِمَّن أَسْلَمَ، ولن يَجْعَلَ اللهُ له سَبيلًا للانتصارِ عليكم بِثَأْرِه، بِخِلافِ العَوَامِرِ ومَن أسْلَمَ، فتُنذَرُ عَوامرُ بُيوتِ المَدينةِ كلِّها، باستِثناءِ ذا الطُّفيتَينِ -وهما خَطَّانِ أبيضانِ على ظَهرِ الحيَّةِ-، والأبترِ -وهو قَصيرُ الذَّيْلِ والذَّنَبِ مِن الحيَّاتِ- فيُقتلانِ دونَ إنذارٍ، كما جاء في الصَّحيحينِ.
وأمَّا في غيرِ المدينةِ؛ فقيلَ: تُنذَرُ، وقيل: تُقتَل فَورًا، وأمَّا الَّتي في الصَّحراءِ فتُقتلُ فورًا.
وفي الحديثِ: الأمرُ بقَتْلِ الحيَّاتِ الَّتِي في البُيوتِ ما لم تَكُن عُمَّارًا أو جِنًّا مُسلِمًا.