مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه321
مسند احمد
حدثنا محمد بن الصباح، حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن سهيل، عن سعيد بن عبد الرحمن بن مكمل، عن أيوب بن بشير (1) الأنصاري، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يكون لأحد ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو ابنتان، أو أختان، فيتقي الله فيهن ويحسن إليهن إلا دخل الجنة " (2)
جاء الإسلامُ باجتِثاثِ عاداتِ الجاهليَّةِ المنكَرةِ، ومِن ذلك الوَصيَّةُ بالبَناتِ، وحرَّمَ وأْدَهنَّ وقَتْلَهنَّ، وبَذَرَ في قُلوبِ أتْباعِهِ المودَّةَ والرَّحمةَ لهنَّ، ووعَد على الإحسانِ إليهِنَّ وتَربيتِهنَّ الخيرَ كُلَّه.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "ليس أحَدٌ من أُمَّتي يَعولُ ثلاثَ بناتٍ، أو ثَلاثَ أَخَواتٍ"، يعني: قام بحُقوقِهنَّ وأنْفَقَ عليهِنَّ وأدَّبَهنَّ بأدَبِ الإسْلامِ، مع تَعليمِهنَّ ما لا بدَّ مِنه مِن أُمورِ الدِّينِ، "فيُحْسِنُ إليهن"، أي: يَعولُهُنَّ، ومع ذلك يُحسِنُ إليهنَّ في الإقامَةِ بِهِنَّ بأنْ لا يَمُنَّ عليهنَّ، ولا يُظهِرَ الضَّجَرَ والمَلَلَ ونحْوَ ذلك، "إلَّا كُنَّ له سِتْرًا من النارِ"، أي: جعَلَهنَّ اللهُ وِقايةً له مِن عَذابِ النَّارِ يومَ القِيامَةِ؛ وذلك أنَّه سَتَرَهُنَّ في الدُّنيا عن الامتهانِ وذُلِّ السُّؤَالِ؛ فسَتَره الله في الآخِرَةِ عن عِقابِ النارِ جَزاءً من ربِّكَ عَطاءً حسابًا. قيل: والمرادُ بهذا أنَّ أجْرَ القِيامِ على البَناتِ أعْظَمُ من أَجْرِ القِيامِ على البَنينَ؛ إذْ لم يَذكُرْ مِثلَ ذلك في حَقِّهِم؛ وذلك -واللهُ أعلمُ- لأجْلِ أنَّ مُؤنةَ البَناتِ والاهتمامَ بأُمورِهِنَّ أعظمُ من أُمورِ البَنينَ؛ لأنَّهن عَوْراتٌ لا يُباشِرْنَ أُمورَهُنَّ، ولا يَتَصَرَّفْنَ تصرُّفَ البَنينَ، وكذلك لأنَّهن لا يَتعلَّقُ بهنَّ طَمَعُ الأبِ أو الأخِ بالاستِقواءِ بِهِنُّ على الأعداءِ، وإحياءِ اسمِ الآباءِ واتِّصالِ نَسَبِهِم وغيرِ ذلك كما يَتعلَّقُ بالذُّكورِ؛ فاحْتاجَ ذلك إلى الصَّبْرِ والإخْلاصِ مِنَ المُنْفِقِ عليهِنَّ مع حُسْنِ النِّيَّةِ، وهذا ما يُنْجيهِ من النارِ.
وفي الحَديثِ: بيانُ فَضْلِ الإنفاقِ على العِيالِ، ولاسيَّما البَناتُ.