مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه362
مسند احمد
حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري (1) ، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا (2) : يا رسول الله، هذا السلام عليك قد علمناه، فكيف الصلاة عليك، قال: " قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد، وآل محمد، كما باركت على إبراهيم (3) ، وآل إبراهيم " (4)
الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ ذُرْوةُ سَنامِ الإسْلامِ، والنُّصوصُ في بَيانِ فَضلِه، وفَضلِ أَهلِه، والحَثِّ عليه، والتَّرغيبِ فيه؛ لا تُحصَى كَثرةً.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو سَعيدٍ الخُدْريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أرسَلَ بَعثًا، والبَعثُ: القِطْعةُ مِن الجَيشِ، إلى «بَني لَحْيانَ من بَني هُذَيلٍ»، وهُذَيلٌ قَبيلةٌ مَشْهورةٌ مِن قَبائلِ العَربِ، ولَحْيانُ: حَيٌّ مِن أحْيائِها، وكانوا في ذلك الوَقتِ كُفَّارًا، وكانوا مِن القَبائلِ الَّذين قَنَت رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الصَّلاةِ شَهرًا يَدْعو عليهم، بعْدَ أنْ أتَوْا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فزَعَموا أنَّهم قد أسْلَموا، واسْتمَدُّوه على قَومِهم، فأمَدَّهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بسَبعينَ مِن الأنْصارِ، فانْطلَقوا بهم، حتَّى بلَغوا بِئرَ مَعونةَ غَدَروا بهم وقَتَلوهم.
فأرادَ أنْ يَغزوَهم ليَدخُلوا في الإسْلامِ، وطلَبَ مِن النَّاسِ أنْ «يَنبَعِثَ مِن كلِّ رَجُلَينِ أحدُهما، والأجْرُ بينَهما»؛ وذلك بأنْ يخرُجَ رجُلٌ للغَزوِ، ويَخلُفَ الآخَرُ صاحِبَه في مَصالِحِه وأهْلِه. وقيلَ: مَعْناه: أنْ يَخرُجَ مِن كلِّ قَبيلةٍ نِصفُ عدَدِها، وهو المُرادُ بقَولِه: «مِن كلِّ رجُلَينِ أحدُهما»، وقَولُه: «ليَنبَعِثْ» فيه الحَضُّ على الجِهادِ والغَزْوِ، والأمرُ به.
وأمَّا كَونُ الأجْرِ بيْنهما، فهو مَحمولٌ على ما إذا خلَفَ المُقيمُ الغازيَ في أهلِه بخَيرٍ، فيكونُ له مِثلُ أجْرِ الغازي، كما في رِوايةٍ لمُسلِمٍ: «أيُّكم خلَف الخارجَ في أهْلِه ومالِه بخَيرٍ، كان له مِثلُ نِصفِ أجْرِ الخارجِ».
ثمَّ قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «اللَّهمَّ بارِكْ لنا في مُدِّنا وصاعِنا، واجعَلْ معَ البَرَكةِ بَرَكتَينِ»، وهذا دُعاءٌ لأهلِ المَدينةِ بأنْ يَجعَلَ لهمُ اللهُ عزَّ وجلَّ البَرَكةَ مُضاعَفةً فيها، والصَّاعُ: أربعةُ أمْدادٍ، والمُدُّ مِقدارُ ما يَملأُ الكَفَّينِ، والمُرادُ زِيادةُ البَرَكةِ في المَدينةِ، وفي كُلِّ ما فيها ممَّا يُكالُ منَ الأطْعِمةِ وغيرِها، ولا تَقتصِرُ البَرَكةُ على المَكاييلِ فقطْ، بلْ تَشمَلُ كلَّ المَوازينِ والمَعْدوداتِ أيضًا؛ فهي بَرَكةٌ عامَّةٌ.