مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه406
مسند احمد
حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا زهير، عن الأسود بن قيس، عن نبيح، (1) عن أبي سعيد الخدري أنهم " خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزلوا رفقاء رفقة مع فلان، ورفقة مع فلان "، قال: فنزلت في رفقة أبي بكر، فكان معنا أعرابي من أهل البادية، فنزلنا بأهل بيت من الأعراب، وفيهم امرأة حامل، فقال لها الأعرابي: أيسرك (2) أن تلدي غلاما؟ إن أعطيتني شاة ولدت غلاما، فأعطته شاة، وسجع لها أساجيع، قال: فذبح الشاة. فلما جلس القوم يأكلون، قال رجل: أتدرون ما هذه الشاة؟ فأخبرهم. قال: فرأيت أبا بكر متبرزا (1) مستنبلا (2) متقيئا " (3)
بُعِثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتَوحيدِ اللهِ تعالى، والنَّهيِ عَنِ الشِّركِ وعَن كُلِّ وسيلةٍ تُوصِلُ إلى الشِّركِ؛ فقد حَمى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَنابَ التَّوحيدِ بكُلِّ طَريقةٍ ووسيلةٍ، وحَذَّرَ أُمَّتَه مِنَ الشِّركِ غايةَ التَّحذيرِ، ومِن ذلك تَحذيرُهم مِن إتيانِ الكُهَّانِ، وهمُ الذينَ يَدَّعونَ مَعرِفةَ عِلمِ الغَيبِ، ونَهى أيضًا عَن ثَمَنٍ ما يَكسِبُه الكاهِنُ في كِهانَتِه، وهو ما يُعطاه مِن أجلِ كِهانَتِه، وقد جاءَ عَن أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه قاءَ مِن كَسبِ أعرابيٍّ تَكَهَّن لامرأةٍ، يَقولُ أبو سَعيدٍ الخُدريُّ رَضيَ اللهُ عنه: إنَّهم خَرَجوا، أي: الصَّحابةُ، مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفرٍ، أي: في أحَدِ أسفارِه التي كان يُسافِرُ فيها إمَّا لغَزوٍ أو غَيرِه، فنَزَلوا رُفقاءَ، أي: جَماعاتٍ، رُفقةٌ مَعَ فُلانٍ، ورُفقةٌ مَعَ فُلانٍ، يَقولُ أبو سَعيدٍ: فنَزَلتُ في رُفقةِ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، أي: كان في الجَماعةِ التي فيها أبو بَكرٍ، فكان مَعَنا أعرابيٌّ مِن أهلِ الباديةِ، فنَزَلْنا بأهلِ بَيتٍ مِنَ الأعرابِ، أي: حَتَّى يضيفوهم، وفيهمُ امرَأةٌ حامِلٌ، فقال لَها الأعرابيُّ: أيَسُرُّك، أي: أتُحبِّي أن تَلدي غُلامًا؟ إن أعطَيتِني شاةً ولَدتِ غُلامًا! فأعطَتْه المَرأةُ شاةً، فسَجع لَها الأعرابيُّ أساجيعَ، أي: نَطَقَ بكَلامٍ له فواصِلُ كقَوافي الشِّعرِ بدونِ أن يَكونَ مَوزونًا. والمُرادُ أنَّه فعَلَ لَها فِعلَ الكُهَّانِ، فإنَّ عادَتَهمُ الأسجاعُ لتَرويجِ أباطيلِهم، ثُمَّ أخَذَ الشَّاةَ وذَبَحَها، فلَمَّا جَلَسَ القَومُ يَأكُلونَ، أي: ومَعَهم أبو بَكرٍ، فقال رَجُلٌ: أتَدرونَ ما هذه الشَّاةُ؟ أي: ما قِصَّتُها. فأخبَرَهم، أي: أعلَمَهم بما فعَلَه الأعرابيُّ مِن سَجعِه للمَرأةِ، يَقولُ أبو سَعيدٍ: فرَأيتُ أبا بَكرٍ مُتَبَرِّزًا، أي: خَرَجَ إلى الفضاءِ لقَضاءِ الحاجةِ، مُستَنبِلًا، والنَّبْلُ: هيَ حِجارةٌ يُستَنجى بها، أي: طَلَبَ النَّبلَ للاستِنجاءِ بها، كما هو المُعتادُ بَعدَ قَضاءِ الحاجةِ، مُتَقَيِّئًا، مِنَ القَيءِ، أي: أخرَجَ ما أكَلَ مِنه بكُلِّ وجهٍ مُمكِنٍ؛ لأنَّه يَرى أنَّ هذا الطَّعامَ لا يَحِلُّ أكلُه، وقد أكَلَه غَيرَ عالمٍ بحالِه، فلَمَّا عَلِمَ ذلك تَقَيَّأه لئَلَّا يَبقى في بَطنِه شَيءٌ مِنَ الحَرامِ.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ جَعْلِ المُسافِرينَ على مَجموعاتٍ، ويَكونُ على كُلِّ مَجموعةٍ مِن يَقومُ عليها.
وفيه فَضلُ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه شِدَّةُ ورَعِ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه الورَعُ عَن أكلِ الحَرامِ.
وفيه أنَّ مِن عادةِ الكُهَّانِ الإتيانَ بالسَّجعِ في كِهانتِهم لتَرويجِ أباطيلِهم .