مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه716
مسند احمد
حدثنا عبد الرزاق وقال: قال الثوري: فحدثني أبو إسحاق، أن الأغر، حدثه، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ينادي مناد: أن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وأن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وأن لكم أن تشبوا، ولا تهرموا (3) ، وأن لكم أن تنعموا، ولا تبأسوا أبدا، فذلك قوله عز وجل ": {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} (4) [الأعراف: 43]
وفي هذا الحديثِ يَصِفُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعضَ نَعيمِ الجَنَّةِ وصِفاتِ أهلِها وصِفةِ عَيشهِم فيها، فيقولُ: «يُنَادي مُنادٍ» في أَهْلِ الجنَّةِ، وهَذا النِّداءُ فِيه مِنَ السُّرورِ والفَرَحِ لأَهْلِ الجنَّةِ ما فيه؛ فَهُو وحْدَه نَعيمٌ؛ لِما فيه منَ البِشارَةِ العَظيمَةِ، فيُقالُ لهم في هذا النِّداءِ: «إنَّ لَكُم أنْ تَصِحُّوا» أي: تَكونوا صَحيحِي البدَنِ أبدًا، «فَلا تَسقَمُوا» أي: لا تَمْرَضوا «أبدًا»، وإنَّ لكُم أنْ تَكونوا أحياءً فلا تَمُوتوا أبدًا، «وإنَّ لَكُم أن تَشِبُّوا»، أي: يَدومَ شَبابُكم، «فَلا تَهْرَموا أبدًا» ولا يَشيخَ أحدٌ مِن أهلِ الجنَّةِ ولا يَعجَزُ، «وإنَّ لَكُم أن تَنْعَموا» فيَعيشُوا في نِعمةٍ دائمَةٍ ويَتجدَّدَ نَعيمُكم، وتَتلذَّذوا به «فَلا تَبْأَسوا أبدًا»، والبأسُ والبُؤسُ والبأساءُ بمعنًى واحدٍ، وهو شِدَّةُ الحالِ، فمَن دَخَل الجنَّةَ لا يَأخُذُه البأسُ والشِّدَّةُ والجُوعُ والعطشُ، ولا يَفقَرُ ولا يَهتَمُّ؛ لأنَّ الجنَّةَ دارُ الثَّباتِ والقرارِ.
ثُمَّ قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «فذَلكَ قَولُ اللهِ تَعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43]» أي: ونادَى فيهم مُنادٍ: إنَّ هذه هي الجنَّةُ الَّتي أخبَرَتْكم بها رُسلُ اللهِ في الدُّنيا، أعقَبَكم اللهُ إيَّاها بما كُنتُم تَعمَلون مِن الأعمالِ الصَّالحةِ، الَّتي تُرِيدون بها وَجْهَ اللهِ، فمَا أَخبَرَ بِه اللهُ تَعالى في القرآنِ مِنَ النِّداءِ عَلى أَهلِ الجَنَّةِ نَظيرُه مَا أَخبَرَ بِه الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يُنادي مُنادٍ».
وفي الحديثِ: أنَّ نَعيمَ الجَنَّةِ دائمٌ لا يَنفَدُ.