السَّكينةُ والوَقارُ، والتوسُّطُ وعَدمُ الغُلوِّ مِن الصِّفاتِ الحَميدةِ التي حَثَّ عليها الشَّرعُ، وفي المُقابِلِ ذمَّ الكِبرَ والتعاليَ على الناسِ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "الفَخرُ والخُيَلاءُ" وهو التَّعالي والتَّكبُّرُ على النَّاسِ "في أهلِ الإبلِ"، وهم مَن يَرعَوْنَها ويَملِكونَها، "والسَّكينةُ والوَقارُ" والسَّكينةُ هي التأنِّي في الحَرَكاتِ واجتنابُ العبَثِ ونحوُ ذلك، والوَقارُ يكونُ في الهيئةِ، ويكونُ بغَضِّ البصَرِ وخَفضِ الصوتِ والإقبالِ على الطريقِ بغَيرِ التِفاتٍ، وهاتان الصفتانِ "في أهلِ الغَنَمِ" الذين يَرعَوْنَها أو يَملِكونَها.
وتَخصيصُ الخُيَلاءِ بأصحابِ الإبلِ، والوَقارِ بأهلِ الغَنَمِ يدُلُّ على أنَّ مُخالَطةَ الحَيَوانِ تؤثِّرُ في النَّفسِ، وتُهْدي إليها هَيئاتٍ وأخلاقًا تُناسِبُ طِباعَها وتُلائمُ أحوالَها، فالإبلُ فيها عُلوٌّ وشُرودٌ ونُفورٌ على غيرِها من الحيوانِ، فيَأخُذُ المُلازِمُ لها صِفاتِها، أمَّا الغَنَمُ فهي ضَعيفةٌ مُنقادةٌ هَيِّنةٌ في يَدِ راعيها، فيَأخُذُ أهلُها ورُعاتُها منها التواضُعَ واللِّينَ والسهولةَ وهكذا.
وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "بُعِثَ موسى عليه السَّلامُ وهو يَرْعى غَنَمًا على أهلِه"، حيث كان يَرْعى غَنَمَ الرجُلِ الصالِحِ الذي زَوَّجَه ابنَتَه على أنْ يَأجُرَه ثَمانيَ سَنواتٍ أو عَشْرَ سنواتٍ، "وبُعِثْتُ أنا وأنا أرْعَى غَنَمًا لأهلي بجِيادٍ"، وهو مَوضِعٌ بأسفَلِ مكَّةَ مَعروفٌ مِن شِعابِها، يقَعُ جنوبَ شَرقِ المَسجِدِ الحَرامِ.
ورَعْيُ الأنبياءِ للغَنَمِ يُدرِّبُهم على الصَّبرِ والحِلمِ والرحمةِ بالضعفاءِ، ولَمِّ شَعَثِ ما تفَرَّقَ في الطرُقاتِ، وهذا ما يُناسِبُ الصَّبرَ على تَبليغِ الرِّسالةِ، والحِلمَ على الجُهلاءِ من الناسِ، مع رَحمةِ الضُّعفاءِ، وتَعليمِ أُمورِ الدِّينِ لكلِّ مَن دخَلَ فيه.