جاء الإسلامُ باجتِثاثِ عاداتِ الجاهِليَّةِ المُنكَرةِ، ومِن ذلك أنَّه أوْصى بالبَناتِ مِنَ الذُّرِّيَّةِ، وحَرَّمَ وَأْدَهُنَّ وقَتْلَهُنَّ، وبَذَرَ في قُلوبِ أتْباعِه المَوَدَّةَ والرَّحمةَ لهُنَّ، ووَعَدَ على الإحسانِ إليهِنَّ وتَربيَتِهِنَّ الخَيرَ كُلَّه.
وفي هذا الحَديثِ يُبشِّرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَن رَزَقَه اللهُ ثَلاثًا مِنَ البَناتِ فتَحَلَّى بالصَّبرِ عليهِنَّ وعلى تَربيَتِهِنَّ حتى يَكبَرْنَ، وقامَ بحُقوقِهِنَّ وأنفَقَ عليهِنَّ وأدَّبَهنَّ بأدَبِ الإسلامِ، مع تَعليمِهِنَّ ما لا بُدَّ مِنه مِن أُمورِ الدِّينِ؛ أوجَبَ اللهُ له الجَنَّةَ إيجابًا قاطِعًا بلا شَكٍّ وشُبهةٍ، "قيلَ: يا رَسولَ اللهِ: فإنْ كانتِ اثنَتَيْنِ؟ قال: وإنْ كانتِ اثنَتَيْنِ" ويَجري هذا الحُكمُ والوَعدُ والجَزاءُ على مَن كان له ابنَتانِ، قال جابِرٌ رَضيَ اللهُ عنه: "فرأى بَعضُ القَومِ أنْ لو قالوا له: واحِدةً، لَقالَ: واحِدةً" فغَلَبَ ظَنُّ بَعضِ مَن يَسمَعُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم أنَّه لو قيلَ ذلك فيمَن له بِنتٌ واحِدةٌ لَأجابَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بنَفْسِ الوَعدِ والجَزاءِ، بشَرطِ الوَفاءِ في حَقِّهِنَّ كما تَقَدَّمَ مِنَ الحَديثِ.والمُرادُ بهذا: أنَّ أجْرَ القيامِ على البَناتِ أعظَمُ مِن أجْرِ القِيامِ على البَنينَ؛ إذْ لم يَذكُرْ مِثلَ ذلك في حَقِّهم؛ وذلك لِأجْلِ أنَّ مُؤْنةَ البَناتِ والاهتِمامَ بأُمورِهِنَّ أعظَمُ مِن أُمورِ البَنينَ؛ لِأنَّهُنَّ عَوْراتٌ لا يُباشِرْنَ أُمورَهُنَّ، ولا يَتَصرَّفْنَ تَصَرُّفَ البَنينَ، وكذلك لِأنَّهُنَّ لا يَتَعلَّقُ بهِنَّ طَمَعُ الأبِ بالاستِقْواءِ بِهِنَّ على الأعداءِ، وإحياءِ اسْمِه، واتِّصالِ نَسَبِه، وغَيرِ ذلك، كما يَتَعلَّقُ بالذَّكَرِ؛ فاحتيجَ في ذلك إلى الصَّبرِ والإخلاصِ مِنَ المُنفِقِ عليهِنَّ، مع حُسْنِ النِّيَّةِ؛ فعَظُمَ الأجْرُ، وكان ذلك سَبَبًا لِلنَّجاةِ مِنَ النَّارِ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ فَضلِ الإنفاقِ على العيالِ، ولا سيَّما البَناتُ.