مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه8
مسند احمد
حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا عمارة بن غزية، عن يحيى بن عمارة، قال: سمعت أبا سعيد، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقنوا موتاكم قول لا إله إلا الله " (1)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حريصًا على أُمَّتِه، فأرشَدَهم إلى كُلِّ قَولٍ أو فِعلٍ فيه نَفْعُهم، وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لَقِّنوا مَوتاكُم: لا إلهَ إلَّا اللهُ"، أي: قُولوها لِمَن حَضرَتْه نَزَعاتُ الموتِ، ورَدِّدوها مَعه حتَّى يَقولَها، وسمَّاهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ موتَى؛ لأنَّ الموتَ قد حضَرَهم، وَهذا إِرشادٌ مِنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأُمَّتِه إلى أهمِّيَّة كَلمةِ التَّوحيدِ في الحَياةِ وعندَ المَماتِ؛ لأنَّ هذه الكَلمةَ هي العاصِمَةُ للدَّمِ في الدُّنيا لكُلِّ مَن قالَها، فإذا قالَها القادِمُ عَلى الآخرَةِ، فإنَّه يُرجَى أنْ تَكونَ عاصِمةً له مِن عذابِ الآخرَةِ، كما كانتْ عاصِمةً مِن عذابِ الدُّنيا، ويُحتمَلُ أنْ يكونَ أمْرُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلك؛ لأنَّه مَوضعٌ يَتعرَّضُ الشَّيطانُ فيه لإِفسادِ اعتقادِ الإِنسانِ، فيحتاجُ إلى مُذكِّرٍ ومُنبِّهٍ له على التَّوحيدِ؛ "فإنَّ مَن كان آخِرُ كلامِه "لا إلهَ إلَّا اللهُ" عندَ الموتِ دخَلَ الجنَّةَ يَومًا مِن الدَّهرِ، وإنْ أصابَهُ قبْلَ ذلك ما أصابَهُ"، أي: وإنْ فعَلَ ما فعَلَ، لكنَّه مات مُوحِّدًا مُصدِّقًا بذلك، فسوفَ تُدرِكُه الشَّفاعةُ يومَ القِيامةِ، بعدَ أنْ يُجازَى على أعمالِه السَّيِّئةِ بالعَذابِ ومُقدِّماتِه، ثمَّ يكونُ مِن نفْعِ كلمةِ التَّوحيدِ له: أنْ تُخرِجَه مِن النَّارِ.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على الحُضورُ عندَ المُحتضَرِ لتَذكيرِه وتَأنيسِه والقِيامِ بحُقوقِه.