مسند أبي هريرة رضي الله عنه 124
مسند احمد
حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اشتكت النار إلى ربها، فقالت: أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما يكون من الحر من فيح جهنم "
المُسلمُ لا يَتساوَى مع الكافِرِ في الدُّنيا ولا في الآخِرَة، وعلى المسلِمِ أنْ يجتهدَ في عملِه ويتقيَ اللهَ ما استطاع، ويُقدِّمَ الأعمالَ الصالحةَ كالجِهادِ في سبيلِ الله بحقِّه، ولا يَظلِمَ أحدًا ولا يَحسُدَه؛ فإنَّ ذلك من أسبابِ الفوزِ بالجَنَّةِ والنجاةِ مِن النار
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قال: "لا يَجتَمِعانِ في النَّارِ"، أي: شَيئانِ لا يجتَمِعانِ في النَّارِ، "مُسلِمٌ قتَلَ كافرًا"، أي: أنَّ المُسلمَ الَّذي قتَلَ كافرًا مُحارِبًا في قِتالٍ وغزْوٍ، "ثمَّ سَدَّدَ وقارَبَ"، أي: ثمَّ عَمِلَ قدْرَ طاقتِه من الأعمالِ الصَّالحةِ، واستقامَ من غيرِ زيْغٍ، وتخلَّصَ من حُقوقِ الآدميِّينَ؛ فإنَّه لا يجتمِعُ مع الكافرِ في النَّارِ، والمعنى: أنَّ المُسلمَ لا يُخلَّدُ في النَّارِ مع الكافرِ، حتَّى ولو دخَلَ المُسلِمُ النَّارَ بمعاصيه، فإنَّه يُخْرَجُ منها؛ فلا يَتساوى مُكْثُه ومُكْثُ الكافرِ، ولا يجتمِعُ معه فيما هو فيه؛ فمُرتكِبُ الكَبيرةِ من المُسلمينَ أمْرُه إلى اللهِ تعالى؛ إنْ شاء عفَا عنه، وإنْ شاء عاقبَه بها، وأُدْخِلَ النَّارَ، ثمَّ إنْ أُدخِلَ النَّارَ، فإنَّما يدخُلُ حيث يدخُلُ المُؤمِنون المُذنِبون، لا حيثُ يدخُلُ الكافرونَ؛ فلا يجتمِعُ ذلك المؤمنُ مع مَقتولِه الكافرِ أبدًا
قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "ولا يجتَمِعانِ في جوفِ مُؤمنٍ: غُبارٌ في سَبيلِ اللهِ، وفَيْحُ جَهنَّمَ"، أي: لا يجتمِعُ الأمرانِ على مُسلمٍ جاهَدَ في سَبيلِ اللهِ ونشْرِ دِينِه جِهادًا حقًّا، يطَّلِعُ اللهُ على صِحَّتِه؛ فإنَّ هذا يُنجِّيه من نارِ جَهنَّمَ يومَ القِيامةِ، والمُرادُ بالغُبارِ: ما ينتُجُ من الحركةِ أثناءَ الجِهادِ، وهو كِنايةٌ عن شُهودِه للمعركةِ ونحوِها وإنْ لم يَقتُلْ أحدًا من المُشركينَ، وفَيحُ جهنَّمَ: أثَرُ الحرارةِ المُنتشرُ
قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "ولا يَجتَمِعانِ في قلْبِ عبدٍ: الإيمانُ والحسَدُ" والحسدُ هو أنْ يَرَى أحدُهم النِّعمةَ على غَيرِه، فيَتمنَّاها لنفْسِه ويَتمنَّى زَوالَها عن صاحبِها، أو يَكرَهُها له، وهذا تقبيحٌ للحسَدِ، وبَيانُ أنَّه لا يَنْبغي للمُؤمنِ أنْ يحسِدَ؛ فإنَّه ليس من شأْنِه ذلك؛ فمعنى "لا يَجتَمِعانِ" هاهنا: أنَّه ليس من شأْنِ المُؤمنِ أنْ يَجْمَعَ الحسدَ مع الإيمانِ، ويَحتمِلُ أنَّ يكونَ المُرادُ بالإيمانِ كَمالَه، أي: لا يكتمِلُ إيمانُ مَن كان عِندَه حسَدٌ لغيرِه
وفي الحديثِ: بَيانٌ لعَظيمِ أثرِ الإيمانِ على العَبدِ، وما يَنْبغي أنْ يكونَ عليه المؤمِنُ من سَلامةِ الصَّدرِ للنَّاسِ
وفيه: بَيانُ فَضْلِ الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ، وأنَّه مَنْجاةٌ من النَّارِ
وفيه: بَيانُ أنَّ الحسَدَ لا يَنْبغي أنْ يُخالِطَ قلْبَ المُؤمنِ الحقِّ