مسند أبي هريرة رضي الله عنه 171

مسند احمد

مسند أبي هريرة رضي الله عنه 171

 حدثنا سفيان، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " قال الله عز وجل: إن هم عبدي بحسنة، فاكتبوها، فإن عملها، فاكتبوها بعشر أمثالها، وإن هم بسيئة، فلا تكتبوها، فإن عملها، فاكتبوها بمثلها، فإن تركها فاكتبوها حسنة "


اللهُ عَزَّ وجَلَّ واسِعُ الرَّحمةِ، جَزيلُ العَطاءِ، ومُعاملتُه لعِبادِه دائرةٌ بيْن العَدلِ والفَضلِ
وفي هذا الحديثِ بَيانٌ لِكَرَمِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ مع العِبادِ في كِتابةِ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ؛ فيَروي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديثِ القُدسيِّ الذي يَرْويه عن ربِّه عزَّ وجلَّ: أنَّ اللهَ أمَرَ المَلائِكةَ الحفَظةَ بكِتابةِ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ للعبْدِ؛ ليُجازيَه بِهما في الدَّارِ الآخرةِ، أو أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قَدَّرَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ قَديمًا وَفْقَ عِلْمِه سُبحانَه، ثمَّ بيَّن للمَلَكينِ كيْف يَكتُبانِها، «فمَن هَمَّ بحَسَنةٍ» والهَمُّ هو النيَّةُ وعَقدُ العَزمِ، والمعنى: فمَن نَوَى حَسَنةً وأراد أنْ يَفعَلَها، ولكنَّه لم يَفعَلْها لمانعٍ، أو لغيرِ مانعٍ، كَتَبها اللهُ عِنده حَسَنةً كاملةً غيْرَ مَنقوصةٍ، واطِّلاعُ المَلَكِ على النيَّةِ التي هي مِن فِعلِ القَلبِ يَكونُ بإطْلاعِ اللهِ تَعالى إيَّاه، فإذا همَّ العَبدُ بالحَسَنةِ فعَمِلها، كَتَبها اللهُ عزَّ وجلَّ وضاعفَها مِن عَشْرِ حَسَناتٍ، إلى سَبعِ مِائةِ ضِعفٍ، إلى أضعافٍ كَثيرةٍ، كما قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261]؛ وذلك بحسَبِ الإخلاصِ وصِدقِ العَزمِ، وحُضورِ القَلبِ، وتَعدِّي النَّفعِ. ومِن نَوى عَمَلَ سيِّئةٍ فلمْ يَعمَلْها -خوْفًا مِن اللهِ وحَياءً منه- كَتَبها اللهُ عِنده حَسنةً كاملةً؛ لا يَنقُصُ مِن ثَوابِها شَيءٌ، فإنْ همَّ بها فعَمِلها، كَتَبها اللهُ عليه سيِّئةً واحدةً دونَ زِيادةٍ أو مُضاعَفةٍ كما في الحَسَناتِ
وفي الحَديثِ: بَيانُ سَعةِ فضْلِ اللهِ على هذه الأمَّةِ؛ إذ لوْلا ذلك كاد لا يَدخُلُ أحدٌ الجنَّةَ؛ لأنَّ عَمَلَ العبادِ للسَّيِّئاتِ أكثرُ مِن عَملِهم للحَسَناتِ