مسند أبي هريرة رضي الله عنه 18
مسند احمد
حدثنا هشيم، وإسماعيل بن إبراهيم، عن يونس، عن الحسن، عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي بثلاث - قال هشيم: فلا أدعهن حتى أموت - «بالوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، والغسل يوم الجمعة»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرشِدُ أصحابَه إلى الطَّاعاتِ والأعمالِ الفاضِلةِ، ويَنهاهُم عنِ الرَّذائِلِ؛ تَعليمًا لهم ونُصحًا؛ لِيُكثِروا منها؛ رَجاءَ ثَوابِ اللهِ تَعالى
وفي هذا الحَديثِ جَمَعَ الصَّحابيُّ الجَليلُ أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مَجموعةَ الأوامِرِ والنَّواهي التي أمَرَه بها، أو نَهاه عنها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد أمَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بصَلاةِ رَكعَتَيِ الضُّحى كُلَّ يَومٍ، ووَقتُها مِنَ ارتِفاعِ الشَّمسِ قِيدَ رُمْحٍ، أيْ: بَعدَ رُبعِ ساعةٍ في التَّقديرِ المُعاصِرِ، ويَستَمِرُّ وَقتُها إلى زَوالِ الشَّمسِ. وأقَلُّ عَدَدٍ لِصَلاةِ الضُّحى رَكعَتانِ، وأكثَرُه ثَماني رَكعاتٍ؛ لِمَا في حَديثِ أُمِّ هانئٍ الذي في الصَّحيحَيْنِ، وقيلَ: إنَّه لا حَدَّ لِأكثَرِها؛ لِحَديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: "كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي الضُّحى أربَعًا، ويَزيدُ ما شاءَ اللهُ" أخرَجَه مُسلِمٌ
والأمرُ الثاني الذي أمَرَه به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو أنْ يُصَلِّيَ الوِترَ قَبلَ النَّومِ؛ خَوفًا مِن أنْ يَفوتَ وَقتُها
والأمْرُ الثالِثُ الذي أمَرَه به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو صِيامُ ثَلاثةِ أيَّامٍ مِن كُلِّ شَهرٍ؛ لِأنَّ في صِيامِهِنَّ تَحصيلُ أجْرِ صَومِ شَهرٍ كامِلٍ، باعتِبارِ أنَّ الحَسَنةَ بعَشْرِ أمثالِها، وهي هنا دُونَ تَحديدٍ في أيَّامِ الشَّهرِ بصَومٍ، وهذا يَعُمُّ كَونَها الأيَّامَ البِيضَ، وغَيرَها، لكِنَّ كَونَها الأيَّامَ البِيضَ أوْلى؛ لِلتَّنصيصِ عليها في رِواياتٍ أُخرى
وهي أيَّامُ الثَّالِثَ عَشَرَ، والرَّابِعَ عَشَرَ، والخامِسَ عَشَرَ، مِن كُلِّ شَهرٍ، وهذا وَقتُ اكتِمالِ القَمَرِ.ثم بَيَّنَ أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه المَنهيَّاتِ التي نَهاه عنها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ أوَّلُها: أنَّه نَهاه عن نَقرةٍ كنَقرةِ الدِّيكِ، ويَقصِدُ به النَّهيَ عنِ الصَّلاةِ السَّريعةِ غَيرِ المُطمَئِنَّةِ التي لا يُؤدِّي فيها المُصَلِّي الصَّلاةَ بخُشوعٍ وخُضوعٍ، ولا يَأتي بها على الوَجهِ الأكمَلِ لها، وخُصوصًا عِندَ السُّجودِ، فلا يَطمَئِنُّ في سُجودِه، بل يَضَعُ رأْسَه ويَرفَعُها سَريعًا مِثلَ الدِّيكِ الذي يَنقُرُ الأرضَ فيما يُريدُ الأكلَ منه؛ لِأنَّه يُتابِعُ في النَّقرِ منها مِن غَيرِ تَرَيُّثٍ.والنَّهيُ الثاني هو النَّهيُ عن هَيئةٍ في الصَّلاةِ، وهي إقعاءٌ كإقعاءِ الكَلبِ، والمُرادُ بالإقعاءِ هنا هو أنْ يُلصِقَ ألْيَتَيْه بالأرضِ، ويَنصِبَ ساقَيْه، ويَضَعَ يَدَيْه على الأرضِ، كإقعاءِ الكَلبِ، ولكِنْ ثَبَتَ في صَحيحِ مُسلِمٍ عن طاوُسٍ، قال: "قُلْنا لابنِ عبَّاسٍ في الإقعاءِ على القَدَمَيْنِ، قال: هي السُّنَّةُ، فقُلْنا: إنَّا لَنَراه جَفاءٌ بالرَّجُلِ، قال: بلْ هي سُنَّةُ نَبيِّكَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، وهذا في الجُلوسِ بيْن السَّجدَتَيْنِ، والإقعاءُ المَرْضِيُّ عنه والمَسنونُ هو: أنْ يَضَعَ أطرافَ أصابِعِ رِجْلَيْه على الأرضِ، ويَضَعَ ألْيَتَيْه على عَقِبَيْه، ويَضَعَ رُكْبَتَيْه على الأرضِ، وأمَّا ما وَرَدَ في الصَّحيحَيْنِ مِن حَديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "أنَّه كان يَنهى عن عَقِبِ الشَّيطانِ"، فيُحتَمَلُ أنْ يَكونَ وارِدًا في الجُلوسِ لِلتَّشهُّدِ الأخيرِ، فلا يَكونَ مُنافيًا لِمَا رَواهُ ابنُ عبَّاسٍ في الجُلوسِ بيْن السَّجدَتَيْنِ، ولِأنَّه ليس كإقعاءِ الكَلبِ. والنَّهيُ الثالِثُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى عن الِالتِفاتِ في الصَّلاةِ كالتِفاتِ الثَّعلبِ، وهو نَهيٌ عن تَحويلِ الوَجهِ وتَحريكِه يَمينًا ويَسارًا في الصَّلاةِ، وعَدَمِ النَّظَرِ إلى مَوضِعِ السُّجودِ؛ وذلك لِاستِحالةِ كَمالِ الصَّلاةِ بالِالتِفاتِ؛ لِأنَّ فيه طاعةً لِلشَّيطانِ، وطاعةُ الشَّيطانِ هَلاكٌ لِلإنسانِ، كما أنَّ الالتِفاتَ سَرِقَةٌ يَسرِقُها الشَّيطانُ، ويَخطَفُها مِن صَلاةِ العَبدِ المُسلِمِ؛ لِيَشغَلَه عنِ الخُشوعِ والخُضوعِ فيها، فَيَنقُصَ أجْرُه وثَوابُه، ورُبَّما أدَّى به إلى ما هو أكثَرُ مِن ذلك، فيَتحَوَّلُ بوَجهِه أو عُنُقِه عنِ القِبلةِ، فتَبطُلُ صَلاتُه كُلُّها، كما أنَّ في الالتِفاتِ سُوءَ أدَبٍ مع اللهِ، الذي يَكونُ العَبدُ مُتَوجِّهًا إليه في صَلاتِه