مسند أبي هريرة رضي الله عنه 253
مسند احمد
حدثنا سفيان، حدثني ابن محيصن، شيخ من قريش، سهمي، سمعه من محمد بن قيس بن مخرمة، عن أبي هريرة، قال: لما نزلت: {من يعمل سوءا يجز به} [النساء: 123] شقت على المسلمين، وبلغت منهم ما شاء الله أن [ص:342] تبلغ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قاربوا وسددوا، فكل ما يصاب به المسلم كفارة، حتى النكبة ينكبها، والشوكة يشاكها»
اللهُ عزَّ وجلَّ رَحيمٌ بعِبادِه المؤمِنينَ لَطيفٌ بهم، يَرحَمُهم في الدُّنيا والآخرَةِ، ومِن رَحمتِه ولُطفِه بالمؤمِنينَ المذْنِبين أنَّه سُبحانه يُخفِّفُ عنهم عَذابَ الآخرَةِ ببعضِ ما يُصيبُهم مِن البلاءِ في الدُّنيا
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هُرَيرَةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا نزلَتْ آيةُ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]، بَلغَتْ مِنَ المسلِمينَ مَبْلَغًا شديدًا، أي: أمرًا بالِغَ الشِّدَّةِ مِنَ الخوفِ مِن عَذابِ اللهِ على جَزاءِ عَملِ السُّوءِ الَّذي لا يَخْلو أحدٌ مِن الوُقوعِ فيه؛ فإنَّ الآيةَ تَتوعَّدُ كلَّ مَن عَمِلَ سُوءًا كبيرًا أو صغيرًا بالمُجازاةِ عليه، وفَهِموا أنَّ ذلكَ لا يُغفَرُ، وهذا أمرٌ عَظيمٌ، فلمَّا رَأى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَوْفَهم سَكَّنَهم وأرْشَدَهم وبَشَّرهم، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «قَارِبُوا»، أي: اقْصِدُوا أقْربَ الأمورِ فيما تُعبِّدْتُم به ولا تَغْلُوا فيه ولا تُقَصِّرُوا؛ «وسَدِّدُوا»، أي: اقْصِدوا السَّدادَ في كلِّ أمْرٍ، ولا تَتعمَّقُوا فإنَّه لنْ يُشادَّ أحدُكُم هذا الدِّينَ إلَّا غلَبَه؛ بلِ اسْتَبْشِروا بلُطفِ اللهِ تَعالَى، «ففي كلِّ ما يُصابُ به المسلمُ كفَّارةٌ» لِذُنوبِه «حتَّى النَّكبةِ يُنْكَبُها» وهو ما يُصيبُ الإنسانَ مِنَ الحوادثِ، «أوِ الشَّوكةِ يُشاكُها»، أي: يصاب بِحدِّهَا، فيَصبِرُ على أذاها ووَجعِها احتِسابًا للهِ تَعالَى دونَ تَسخُّطٍ وشَكوَى لأحدٍ؛ فإنَّ اللهَ سُبحانَه يُكفِّرُ بها مِن خَطايا العَبدِ تَفضُّلًا وتَكرُّمُا منه جَلَّ وعلَا على عَبدِه المُسلمِ
وفي الحديثِ: تَسليةٌ بَالغةٌ وإِعلامٌ بِأنَّه لا يُصيبُ العبدَ شَيءٌ إلَّا كَفَّرَ اللهُ عنه مِن خَطايَاه