مسند أبي هريرة رضي الله عنه 516

مسند احمد

مسند أبي هريرة رضي الله عنه 516

حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب [ص:108]، أنه سمع أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، ليوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عادلا، وإماما مقسطا، يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال، حتى لا يقبلها أحد»

بيَّنَ القُرآنُ أنَّ الدِّينَ عندَ اللهِ الإسلامُ، وقد شرَعَ اللهُ سُبحانَه لِنَبيِّه محمَّدٍ ما وَصَّى به الأنبياءَ مِن قَبلِه؛ فالدِّينُ واحدٌ، والشَّرائعُ تَتناسَبُ مع عَصرِ كلِّ رسولٍ

وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "الأنبياءُ إخوةٌ لِعَلَّاتٍ؛ أُمَّهاتُهم شَتَّى، ودِينُهم واحدٌ"، يَعنِي: أنَّهم أُخَوةٌ لِأبٍ واحدٍ مِن أُمَّهاتٍ مُختلفةٍ، والمعنى: أنَّ شَرائعَهم مُتَّفِقةٌ مِن حيثُ الأُصولُ، وإنِ اختَلَفت مِن حيثُ الفُروعُ حَسَبَ الزَّمنِ، وحَسَبَ العُمومِ والخُصوصِ
ثمَّ قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ: "وإنِّي أوْلى النَّاسِ بعِيسى ابنِ مَريمَ؛ لأنَّه لم يكُنْ بيْني وبيْنه نَبِيٌّ" وقد بَشَّرَ نَبيُّ اللهِ عِيسى عليه السَّلامُ بنُبُوَّةِ نَبيِّنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فقال كما أخبَرَ اللهُ تعالى في كِتابِه العَزيزِ: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]؛ ولذلك فالنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَوْلى النَّاسِ بعِيسى؛ لأنَّه بَشَّرَ به، ولأنَّه لم يَكُنْ بَينَهم نَبِيٌّ، فهو أخوهُ الأقرَبُ إليه، "وإنَّه نازلٌ"، أي: يَنزِلُ عِيسى عليه السَّلامُ مِن السَّماءِ إلى الأرضِ، "فإذا رَأيتُمُوه فاعْرِفوهُ"، أي: فاعرِفوهُ؛ فإنَّ مِن أوصافِه أنَّه: "رَجلٌ مَربوعٌ"، أي: ليسَ بالطَّويلِ ولا القَصيرِ، "إلى الحُمرةِ والبَياضِ"، أي: إنَّ لَونَه يَميلُ إلى الحُمرةِ والبَياضِ، "عليه ثَوبانِ مُمَصَّرانِ"، أي: يكونُ عليهِ ثَوبانِ لَونُهما مائلٌ للصُّفرةِ، "كأنَّ رأسَه يَقْطُرُ، وإنْ لم يُصِبْهُ بَللٌ"، وهذا كِنايةٌ عن نَضارتِه ونَظافتِه، "فيدُقُّ الصَّليبَ"، أي: يَكسِرُه، "ويَقتُلُ الخِنزيرَ، ويَضَعُ الجِزيةَ، ويَدْعُو النَّاسَ إلى الإسلامِ"، أي: إنَّ الإِسلامَ هوَ الشَّرطُ الوَحيدُ على مَن يُقاتِلُه، فلا يُقبَلُ مِنهم جِزيةٌ، "ويُهلِكُ اللهُ في زَمانِه المِللَ كلَّها إلَّا الإسلامَ"، أي: لنْ يُبقِيَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ للكُفرِ شَوكةً، فتكونُ الوِلايةُ والقُدرةُ لأهلِ الإسلامِ، وليس المُرادُ هَلاكَ أبدانِ أهلِ الكُفرِ، ولكنَّ المُرادَ أنَّ الغلبةَ والعزَّةَ تكونُ للإسلامِ؛ فالكفَّارُ سيكونونَ مَوجودِينَ؛ ولهذا مَن آمَنَ عندَ طُلوعِ الشَّمسِ مِن مغربِها لنْ يَنفَعَه إيمانُه، والسَّاعةُ ستقومُ على شِرارِ الخَلقِ؛ "ويُهلِكُ في زَمانِه المَسيحَ الدَّجَّالَ"، أي: يُمِيتُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ المسيحَ الدجَّالَ في عَهدِ عِيسى عليه السَّلامُ، وفي الرِّواياتِ أنَّ عيسى عليه السَّلامُ هوَ الَّذي سيَقتُلُه
"ثمَّ تقَعُ الأَمنةُ على الأرضِ"، أي: يَسودُ الأمانُ والسَّلامُ في كلِّ الأرضِ، "حتَّى تَرتَعَ الأُسودُ مع الإبلِ، والنِّمارُ مع البقَرِ، والذِّئابُ مع الغنَمِ، ويَلعَبُ الصِّبيانُ بالحيَّاتِ لا تَضُرُّهم"
ثمَّ قال صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فيَمكُثُ"، أي: سيَظَلُّ ويَبقى، "في الأرضِ أربَعينَ سَنَةً، ثمَّ يُتوفَّى ويُصَلِّي عليهِ المُسلِمونَ"، أي: يُصلُّونَ عليه بما شرَعَهُ اللهُ مِن الصَّلاةِ على الميِّتِ في الإسلامِ