مسند أبي هريرة رضي الله عنه 625
مسند احمد
حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن رجل، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الذي يشرب وهو قائم ما في بطنه، لاستقاءه»
نَهَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمَّتَه عن أُمورٍ ربَّما كان في فِعلِها ضَررٌ عليهم، وعلى المسلِمِ أنْ يُسلِّمَ لأمْرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دونَ النَّظرِ إلى السَّببِ، أو الحِكمةِ مِن الأمْرِ أو النَّهيِ
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لو يَعلَمُ الذي يَشرَبُ وهو قائمٌ ما في بطْنِه"، أي: ما يقَعُ له مِن أذًى إذا شرِبَ وهو واقفٌ، وفي هذا إشارةٌ إلى النَّهيِ عن الشُّربِ قائمًا، وقيل: النَّهيُ إنَّما هو مِن جِهَةِ الطِّبِّ؛ مَخافةَ وَقوعِ ضَررٍ به؛ فإنَّ الشُّربَ قاعدًا أمكَنُ وأبعَدُ مِن السَّرفِ، وحُصولِ وجَعِ الكَبِدِ والحلْقِ، وقد لا يأْمَنُ منه مَن شَرِبَ قائمًا على ما لا يَخْفى، "لَاستقاءَ"، أي: تَعمَّدَ القَيءَ؛ وذلك بأنْ يضَعَ إصْبَعَه في فَمِه حتى يُخرِجَ ما شرِبَه؛ مِن شِدَّةِ الضَّررِ الواقعِ به؛ لأنَّ الشُّربَ قائمًا يُحرِّكُ خِلْطًا رَديئًا يكونُ القيءُ دواءَهُ، وقد حمَلَ أهلُ العلْمِ أحاديثَ النَّهيِ عن الشُّربِ قائمًا على أنَّها خِلافُ الأَولى؛ لأنَّه قد ورَدَت أحاديثُ أُخرى تُبِيحُ الشُّربَ قائمًا، كما عندَ النَّسائيِّ عن عائِشةَ رضِيَ اللهُ عنها زَوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أنَّها قالت: "رأَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَشرَبُ قائمًا وقاعدًا"، والجَمْعُ بينها: أنَّ أحاديثَ النَّهيِ عن الشُّربِ قائِمًا محمولةٌ على أنَّها خِلافُ الأوْلى؛ فالأَوْلى للإنسانِ أنْ يشرَبَ وهو جالسٌ، فإنْ شرِبَ قائمًا فلا بأسَ( )