مسند أبي هريرة رضي الله عنه 703
مسند احمد
حدثنا يزيد، أخبرنا ابن أبي ذئب، عن القاسم بن عباس، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن ابن مكرز، عن أبي هريرة: أن رجلا قال: يا رسول الله، الرجل يريد الجهاد في سبيل الله، وهو يبتغي عرض الدنيا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أجر له» ، فأعظم الناس ذلك، وقالوا للرجل: عد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لعله لم يفهم. فعاد، فقال: يا رسول الله، الرجل يريد الجهاد في سبيل الله، وهو يبتغي عرض الدنيا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أجر له» ، ثم عاد الثالثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أجر له»
المجاهِدُ الحقُّ هو مَنْ جاهَدَ لِتكونَ كلمةُ اللهِ العُليا، وطَلَبًا للأَجْرِ والمَثوبةِ، وليس خُروجًا لطَلَبِ أَجْرٍ دُنيويٍّ، مِثْلَ الغنيمةِ وغيرِها
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أبو هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: "إنَّ رَجُلًا قال: يا رسولَ اللهِ، رَجُلٌ يريدُ الجهادَ في سبيلِ اللهِ، وهو يَبْتَغي"، أي: يَطْلُبُ في نَفْسِه وهو خارِجٌ في سبيلِ اللهِ "عَرَضًا مِن عَرَضِ الدُّنيا"، أي: أنْ يُصيبَ مِن غَنيمتِها المالَ والمتاعَ، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا أَجْرَ لَه"، أي: لم يَكُنْ أَجْرُه كمَنْ خرَج في سبيلِهِ خالصًا لوَجْهِه تعالى، وهذا مِصْداقٌ لقولِه تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرة} [آل عمران: 152]، "فأَعْظَمَ ذلك الأمرَ النَّاسُ"، أي: اسْتَعظَموا هذا الحُكْمَ وكَبُرَ عليهم؛ لأنَّهم كانوا يَرْجونَ في خروجِهِم إعلاءَ كلمةِ اللهِ تعالى والغنيمةَ، وقالوا للرَّجُلِ: "عُدْ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فلعلَّكَ لَمْ تَفْهَمْهُ"، أي: ارْجِعْ إليه وأَعِدْ عليه السُّؤالَ لعلَّكَ لم تُحْسِنْ إفهامَكَ له ما تَقْصِدُ وما تُريدُ
فرَجَع الرَّجلُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسألَه مرَّةً ثانيةً فقال: "يا رسولَ اللهِ، رَجُلٌ يُريدُ الجهادَ في سبيلِ اللهِ، وهو يَبْتغي ويُريدُ عَرَضًا مِن عَرَضِ الدُّنيا مِن أَجْرٍ وغنيمةٍ"، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا أَجْرَ لَه"، فقال النَّاسُ للرَّجُلِ: "عُدْ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، أي: مرَّةً ثالثةً لِيَسألَه، "فقال له: الثَّالثةَ"، أي: سأل الرَّجُلُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للمرَّةِ الثَّالثةِ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا أَجْرَ لَه"؛ وهذا فيمَن خرَجَ وقد أَشركَ في نيِّتِه عملًا دُنيويًّا خرَج به عن الإخلاصِ للهِ عزَّ وجلَّ؛ فقَدْ ثَبَت في صحيحِ مُسلِمٍ عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "ما مِن غازيةٍ تَغْزو في سبيلِ اللهِ فيُصيبون الغنيمةَ، إلَّا تعَجَّلوا ثُلُثَيْ أَجْرِهم مِن الآخِرةِ، ويَبْقى لهم الثُّلُثُ، وإنْ لَمْ يُصيبوا غَنيمةً، تَمَّ لهم أَجْرُهم"، وهذا لِمَن جعَل نيِّتَه خالصةً لوجهِ اللهِ عزَّ وجلَّ
وفي الحديثِ: الحَثُّ على الجهادِ في سبيلِ اللهِ ابتغاءَ مَرْضاتِه