مسند أبي هريرة رضي الله عنه 714
مسند احمد
حدثنا يزيد، أخبرنا عبد الملك بن قدامة، حدثنا إسحاق بن بكر بن أبي الفرات، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستأتي على الناس سنون خداعة، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة» قيل: وما الرويبضة؟ يا رسول الله قال: «السفيه يتكلم في أمر العامة»
الدُّنيا دارُ ابتِلاءاتٍ ومِحَنٍ، والحَصيفُ مَن تَحرَّز لنَفسِه ولدِينِه؛ حتَّى لا يقَعَ في الفِتَنِ، ولِيَنجُوَ مِنها، وقد علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم سُبلَ النَّجاةِ مِن هذه الفتنِ
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنه: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "سَيأتِي على النَّاسِ سَنواتٌ خَدَّاعاتٌ"؛ لِما سيَظهَرُ بها مِن قلْبٍ وتزييفٍ للحقائقِ، حتَّى فيما يَجِبُ على الإنسانِ ألَّا ينخَدِعَ فيه، "يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصَّادقُ، ويُؤتمَنُ فيها الخائنُ، ويُخوَّنُ فيها الأمينُ"، وهذا مِن تَبدُّلِ الأحوالِ وانقِلابِها ومِن خِداعِ الدُّنيا؛ حيث يَنتشِرُ الكذِبُ والخيانةُ ويُعتبَرانِ هما الحقيقةَ، ويَنحصِرُ الصِّدقُ والأمانةُ فيُعتبَرانِ ترَفًا، أو يُكذَّبُ مَن قال الصِّدقَ ويُخوَّنُ مَن أدَّى الأمانةَ؛ لأنَّهما أصبَحا نَشازًا في جسَدٍ مَريضٍ، لا يَستطيبُ الطَّيِّبَ، بل يَقبَلُ الخبيثَ ويَستسيغُه. ويَدخُلُ في تَضْييعِ الأمانةِ: ما كان في مَعناها ممَّا لا يَجري على طَريقِ الحقِّ؛ كاتِّخاذِ الجُهَّالِ عُلماءَ عِندَ غِيابِ أهلِ العِلمِ الحقِّ، واتِّخاذِ وُلاةِ الجَوْرِ، وحُكَّامِ الجَورِ عندَ غلَبةِ الباطلِ وأهلِه
ثُمَّ قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "ويَنطِقُ فيها الرُّويبِضةُ، قيل: وما الرُّويبضةُ؟ قال: الرَّجلُ التَّافِهُ في أمرِ العامَّةِ"، والرَّجلُ التَّافهُ هو: الرَّذيلُ والحَقيرُ، والرُّويبضةُ تَصْغِيرُ رابِضةٍ، وهُو العاجِزُ الَّذي ربَضَ عَن مَعالي الأُمورِ، وقعَد عَن طلَبِها
وفي الحديثِ: علَمٌ مِن أعلامِ النُّبوَّةِ؛ لأنَّه عليه السَّلامُ ذكَر فَسادَ أديانِ النَّاسِ، وتَغيُّرَ أماناتِهم، وقد ظهَر كثيرٌ مِن ذلك