مسند أبي هريرة رضي الله عنه 716
مسند احمد
حدثنا يزيد، أخبرنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عبد الرحمن بن مهران، أن أبا هريرة، قال: حين حضره الموت: لا تضربوا علي فسطاطا، ولا تتبعوني بمجمر، وأسرعوا بي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني، وإذا وضع الرجل السوء على سريره قال: يا ويله أين تذهبون بي؟ "
الجَنائزُ مَواضِعُ للاعتبارِ والعِظَةِ وتَذكُّرِ الموتِ والآخرةِ، ويَنبَغي للسَّائرِ فيها أنْ يَكونَ مُلْتزِمًا بأحكامِ الشَّرعِ الخاصَّةِ بها، وأنْ يَبتعِدَ عن عاداتِ الجاهليَّةِ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ الرَّحمنِ بنِ مِهْرانَ: "أنَّ أبا هُريرةَ قال: حين حضَرَهُ الموتُ"، أي: عندَ اقترابِ أجَلِه وتأكُّدِه مِن أنَّه وقْتُ الموتِ، "لا تَضْرِبوا عليَّ فُسطاطًا"، أي: لا تَنصِبوا على قَبْري خَيْمةً، "ولا تَتْبَعوني بمِجْمَرٍ"، والمِجْمَرُ اسْمُ آلةٍ، وهُو ما يُوقَدُ فيه الطِّيبُ. والمعنى: لا تَتْبَعوني بشَيءٍ فيه نارٌ؛ لأنَّه لا فائدةَ فيه، ويُؤدِّي إلى الفَأْلِ القَبيحِ؛ فتَرْكُه أوْلى، وكان هذا مِن عاداتِ الجاهليَّةِ كذلك، وقد هدَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلكَ وزجَرَ عنْه، "وأسْرِعوا بي؛ فإنِّي سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إذا وُضِعَ الرَّجلُ الصَّالحُ على سَريرِه"، أي: خَشبةِ النَّعشِ، واحتَمَلَ الرِّجالُ الجِنازةَ على أعناقِهم، "قال: قَدِّموني، قَدِّموني"، أي: أسرِعوا أسْرِعوا؛ وذلك مِن فَرحتِها بما رأَتْ مِن المُبشِّراتِ، "وإذا وُضِعَ الرَّجلُ السُّوءُ على سَريرِه، قال: يا وَيلَهُ"، أي: الهَلاكُ له، وإنَّما أضاف الويلَ إلى ضَميرِ الغائبِ، وإنْ كان القِياسُ أنْ يقولَ: يا وَيْلي؛ حمْلًا على المعنى؛ كَراهةَ أنْ يُضِيفَ الويلَ إلى نفْسِه، أو كأنَّه لمَّا أبصَرَ نفْسَه غيرَ صالحةٍ نَفَرَ عنها، وجعَلَها كأنَّها غيرَه، "أين تَذْهَبون بي؟!" قال ذلك؛ لأنَّه يَعلَمُ أنَّه لم يُقدِّمْ خيرًا، وأنَّه يَقدَمُ على ما يَسُوؤهُ، فيَكرَهُ القُدومَ عليه، وكأنَّه يقولُ: اتْرُكوني ولا تَدفِنوني؛ وذلك مِن هَوْلِ ما رأَى مِن العذابِ الَّذي يَنتظِرُه
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن اتِّباعِ الجنائزِ بنارٍ إذا كان لغيرِ إضاءةٍ للَّيلِ ونحوِه
وفيه: أنَّ الميِّتَ الصَّالحَ يرَى المُبشِّراتِ قبْلَ دفنِه، وأنَّ الميِّتَ الطَّالحَ يرَى المُنذِراتِ قبْلَ دفْنِه