حدثنا عبد الرحمن، حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «يدخل سبعون ألفا من أمتي الجنة بغير حساب» فقال رجل: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: «اللهم اجعله منهم» ثم قام آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: «سبقك بها عكاشة» ،
أجزَل اللهُ عزَّ وجلَّ العَطاءَ لأمَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في الدُّنيا والآخرةِ، وممَّا أجزَله لهم في الآخِرَةِ ما ذَكَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم
في هذا الحديثِ بقولِه: "وعَدَني ربِّي أن يُدخِلَ الجنَّةَ مِن أمَّتي سَبعين ألفًا"، قيل: إنَّ المرادَ بهذا العدَدِ هو المبالَغةُ في الكثرةِ، وقيل: بل مُنتَهى العددِ، "لا حِسابَ عليهم ولا عَذابَ"، أي: لن يَمُرُّوا بعذابٍ ولن يُناقَشوا لحسابٍ، "مع كلِّ ألفٍ"، أي: مِن هؤلاءِ السَّبعين، يَدخُلُ معَهم: "سَبعون ألفًا"، "وثلاثُ حَثَياتٍ مِن حثَياتِه"، والحَثْيةُ ما يَحْثوه الإنسانُ بيَدَيه مِن ماءٍ أو تُرابٍ أو غيرِ ذلك، ويُستعمَلُ فيما يُعْطيه المعطي بكفَّيه دَفعةً واحدةً، وأُريدَ بها الدَّفعاتُ، أي: يُعطي بعدَ هذا العدِّ المنصوصِ عليه ما يَخْفى على العادِّين حَصْرُه وتَعدادُه؛ فإنَّ عَطاءَه الَّذي لا يَضبِطُه الحسابُ أوْفَى وأَرْبَى مِن النَّوعِ الَّذي يتَداخَلُه الحسابُ، وخاصَّةً أنَّه قال: "مِن حثَياتِ اللهِ عزَّ وجلَّ"، فهؤلاء يَدخُلون الجنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ ولا عذابٍ، وقيل: المرادُ: أنَّ عددَ ما يَملَأُ تِلك الحثَياتِ الثَّلاثَ هو مَن يَدخُلُ الجنَّةَ فقط، وقيل: بل المرادُ أنَّ مع كلِّ ألفٍ سَبعينَ ألفًا وثلاثَ حثياتٍ، فيكونُ مجموعُ الحثَياتِ: ثلاثَ حثياتٍ في سَبعين مرَّةً، معَ تنزيهِ اللهِ تعالى عن مُشابَهةِ الخَلْقِ في الحَثْوِ؛ فاللهُ عزَّ وجلَّ ليس كمِثلِه شيءٌ، وكيفيَّةٌ حَثْوِ اللهِ لا يَعلَمُها إلَّا اللهُ سبحانه