مسند أبي هريرة رضي الله عنه 851
مسند احمد
حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن أبي هريرة، أن جبريل عليه السلام جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فعرف صوته، فقال: «ادخل» فقال: إن في البيت سترا في الحائط فيه تماثيل، فاقطعوا رءوسها، واجعلوها بساطا أو وسائد [ص:444] فأوطئوه، فإنا لا ندخل بيتا فيه تماثيل
البَيْتُ الَّذي تدْخُلُ فيهِ الملائكةُ يكونُ بهِ السَّكينَةُ والطُّمأْنينَةُ، ويَدُلُّ على أنَّه بَيْتٌ فيه خيْرٌ وإيمانٌ، وهناك موانِعُ تَمنَعُ الملائكةَ مِن دُخولِ البيْتِ لا بدَّ للمُسلِمِ أنْ يعْرِفَها لِيتجَنَّبَها
كما يُبيِّنُ هذا الحَديثُ؛ حيثُ يُخبِرُ أبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "أَتاني جِبريلُ عليهِ السَّلامُ فقال لي: كنتُ أتيْتُك اللَّيلةَ"، أي: اللَّيلةَ الموعودةَ بالأمْسِ كما في روايةِ أبي داودَ بلَفظِ: "البارحةَ"، قال جِبريلُ: "فلمْ يمْنَعْني أنْ أدخُلَ البيتَ الَّذي أنتَ فيه، إلَّا أنَّه كان في البيتِ تِمثالُ رَجُلٍ"، أي: على هَيئةِ رجُلٍ، "وكان في البيْتِ قِرامُ سِتْرٍ فيه تَماثيلُ"، أي: سِتْرٌ خَفيفٌ رَقيقٌ مِن صُوفٍ فيهِ نُقوشُ صوَرٍ، "فمُرْ"، أي: فأْمُرْ أحَدًا، "برأْسِ التِّمثالِ الَّذي في البيْتِ يُقطَعْ، فيَصيرُ كهيْئةِ الشَّجرَةِ"، أي: حتَّى يَصيرَ هذا التِّمثالُ كهيْئةِ الشَّجرَةِ مِن ساقٍ وفَرْعينِ، فيكونَ لا بأْسَ بهِ؛ لأنَّ الشَّجرَ ليس بها رُوحٌ؛ فلا يَحرُمُ صُنْعُها وتجْسيدُها، "ومُرْ بالسِّتْرِ يُقْطَعْ- وفي روايةٍ: إنَّ في البَيتِ سِتْرًا في الحائطِ، فيه تَماثيلُ، فاقْطَعوا رُؤوسَها، فاجْعَلوها بِساطًا أو وَسائدَ فأَوطِئوه-"، أي: اجْعَلوهما مَطروحتَينِ على الأرضِ ومفْروشتَينِ؛ فيكونُ السِّترُ الذي فيه هذِه التَّماثيلُ مُمتهَنًا بالجُلوسِ والقُعودِ والاستِنادِ والمشْيِ والوطْءِ عليها ونحوِ ذلك؛ "فإنَّا لا نَدخُلُ بيتًا فيه تَماثيلُ" أي: سبَبُ إهدارِ التَّماثيلِ والصُّورِ أنَّها تَمنَعُ دُخولَ المَلائكةِ البيتَ، "فيُجعَلْ منه وِسادتانِ تُوطآنِ"، أي: تُجعَلْ تحت الأقدامِ والأرجُلِ. وفي رِوايةِ أبي دَاودَ: "وكان في البيْتِ كَلْبٌ"، فقال جِبريلُ عليهِ السَّلامُ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ومُرْ بالكلْبِ فيُخْرَجْ"، أي: فأمُرْ بالكَلْبِ يُطرَدْ ويُبعَدْ مِن البيْتِ. قال: "ففعَلَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإذا الكَلبُ جَروٌ كان للحسَنِ والحُسينِ"، وهما ابنا عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رضِيَ اللهُ عنهم، والجرْوُ هو: صَغيرُ الكلْبِ
ثمَّ قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وما زالَ"، أي: جِبريلُ، "يُوصِيني بالجارِ"، وهو المُجاوِرُ للدَّارِ؛ ذا قَرابةٍ كان أو أَجنبيًّا، مُسلمًا كان أو كافرًا، وتتفاوتُ حقوقُ كلِّ صِنفٍ، وذلك بعدَمِ إيذائِه، والإحسانِ إليه، ورِعايةِ ذِمَّتِه، والقِيامِ بحُقوقِه، ومُوَاساتِه في حاجتِه، والصَّبرِ على أذاهُ، "حتَّى ظننْتُ- أو رأيْتُ- أنَّه سَيُورِّثُه"، أي: ولكَثرةِ ما أوْصَى جِبريلُ عليه السَّلامُ بالجارِ، ظنَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ تعالى سيُشرِكُ الجارَ في مِيراثِ جارِه
وفي الحَديثِ: النَّهيُ عن تَركِ صُوَرِ وتَماثيلِ ذَواتِ الأرواحِ بالبُيوتِ في هَيئةِ تَشريفٍ وتَعظيمٍ
وفيه: الحثُّ على الاهتِمامِ بالجارِ وإكرامِه