مسند أبي هريرة رضي الله عنه 854
مسند احمد
حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن جعفر الجزري، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم»
اللهُ يُحِبُّ التَّائبينَ ويَدعو عِبادَه إلى التَّوبةِ ويُرَغِّبُهم فيها، فيَتوبُ على مَن تابَ ويَغفِرُ الذَّنْبَ، ويَصبِرُ على العُصاةِ حتَّى يَتوبوا بالنَّدمِ على الذُّنوبِ والمَعاصي، مع الرُّجوعِ إلى اللهِ وطَلَبِ العفوِ والمغفِرةِ منه سُبحانه، مع النِّيَّةِ الصَّادقةِ لعَدَمِ العودةِ إلى الذُّنوبِ والمَعاصي
وفي هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «والَّذي نَفْسِي بيَدِه» وهو قَسمٌ كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَثيرًا ما يُقسِمُ به، فاللهُ عزَّ وجلَّ هو الَّذي يَملِكُ الأنفُسَ بالإحياءِ والإماتةِ، «لوْ لمْ تُذْنِبوا» أي: لوْلا وُقوعُكم في الذُّنوبِ، لَخِفْتُ عَليكُم ما هُو أكبَرُ مِن ذلكَ، أَلا وهُو العُجْبُ، ولَكُنتُم كالملائكةِ، وإذا وقَعَ ذلك لَأذْهَبَكم اللهُ وأفْناكم، «ولَجاءَ بقَوْمٍ يُذْنِبونَ»، وفي رِوايةٍ أُخرى لمسْلمٍ: «لَخَلَقَ اللهُ خَلقًا يُذْنِبونَ» أي: أتى اللهُ بخَلقٍ جَديدٍ غيْرِكم مِن جِنسِكم، أو مِن غَيرِكم يَقَعون في الذَّنْبِ؛ فيَستغْفِرونه ويَتوبون، فيَغفِرُ لهم ذُنوبَهم لِأجلِ تَوبتِهم تلك
وحاصلُ هذا الحديثِ أنَّ اللهَ تَعالَى سَبَق في عِلمِه أنَّه يَخلُقُ مَن يَعصِيه، فيَتوبُ، فيَغفِرُ له؛ وذَلكَ لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُحِبُّ مِن عَبدِه مَقامَ العُبوديَّةِ الَّذي هُو مُنتَهى الذُّلِّ مَع مُنتَهى الحُبِّ، وَليسَ في الحَديثِ مُواساةٌ لِلمُنْهَمكينَ في الذُّنوبِ، وإنَّما فيه بَيانُ عَفوِ اللهِ تَعالَى وتَجاوزِه عنِ المُذنبينَ التَّائبينَ؛ ليَرغَبوا فِي التَّوبةِ إلى اللهِ فيَتُوبوا، وليُبَيِّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ سُبحانَه كَما يُجازي الُمحسنينَ بِإحسانِهم فإنَّه يَعفو ويَصفَحُ عنِ المُذنِبينَ