مسند أبي هريرة رضي الله عنه 900
مسند احمد
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصيني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني [ص:484]، ومن يعص الأمير فقد عصاني»
لَمَّا كانتِ الجَماعةُ لا يَنصَلِحُ أمْرُ دِينِها ودُنياها إلَّا بتَنصيبِ أميرٍ وحاكِمٍ يَقِفُ على شُؤونِهم ويُصلِحُها، ويَفصِلُ في المُنازَعاتِ، ويَحمِلُ النَّاسَ على الحَقِّ؛ كان وُجودُه أمرًا حَتْمًا، وطاعَتُه كذلك
وفي هذا الحَديثِ يُوضِّحُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ طاعَتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -بفِعلِ ما أمَرَ به واجتنابِ ما نهَى عنه- مِن طاعةِ اللهِ تعالَى، وكذلك مَعصيَتُه -بتَرْكِ ما أمَرَ به وفِعلِ ما نهَى عنه- عِصيانٌ للهِ تعالَى؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُبَلِّغٌ عن رَبِّه سُبحانَه. وكذلك أوضَحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ طاعةَ الإمامِ والحاكِمِ مِن طاعَةِ المَولى سُبحانَه وتعالَى، ومِن طاعةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّ مَعصيَتَه مَعصيةٌ للهِ ورَسولِه، وهو عامٌّ في كُلِّ أميرٍ عَدْلٍ لِلمُسلِمينَ، وقد كانت قُرَيشٌ ومَن يَلِيهم مِنَ العَرَبِ لا يَعرِفونَ الإمارةَ، ولا يَدينونَ لِغَيرِ رُؤساءِ قَبائلِهم، فلَمَّا كان الإسلامُ ووُلِّيَ عليهمُ الأُمَراءُ أنكَرَتْه نُفوسُهم، وامتَنَعَ بَعضُهم مِنَ الطَّاعةِ، فقال لهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا القَولَ؛ لِيُعلِمَهم أنَّ طاعَتَهم مَربوطةٌ بطاعَتِه، ولِيُطاوِعوا الأُمَراءَ الذين كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُولِّيهم، فلا يَستَعصُوا عليهم. ومِنَ الأسبابِ والفَوائدِ التي تَحصُلُ بوُجودِ الإمامِ والحاكِمِ، والتي تُوجِبُ طاعَتَه: أنَّه جُنَّةٌ، أي: سُترةٌ ووِقايةٌ؛ لِأنَّه يَمنَعُ العَدُوَّ مِن أذَى المُسلِمينَ، ويَمنَعُ النَّاسَ مِن أذَى بَعضِهم بَعضًا، «يُقاتَلُ مِن وَرائِه، ويُتَّقى به»، يَعني: يُقاتِلُ معه المُسلِمونَ الكُفَّارَ والبُغاةَ وسائرَ أهلِ الفَسادِ، ويُحتَمى به ويُتَقوَّى، ويُرجَعُ إليه في الرَّأيِ والتَّدبيرِ، فإنْ أمَرَ الإمامُ بتَقْوَى اللهِ تعالَى، وعَدَلَ في رَعيَّتِه، كان له بذلك أجْرٌ؛ لِقِيامِه بحَقِّ اللهِ تعالَى، وإنْ حَصَلَ منه خِلافُ ذلك -بأنْ حَكَمَ بغَيرِ العَدلِ والتَّقوَى، وأحَبَّ ذلك وأخَذَ به؛ إيثارًا له، ومَيلًا إليه- كان عليه بَعضٌ مِنَ الوَبالِ والإثْمِ والوِزرِ المُترَتِّبِ على صَنيعِه ذلِك، أو يَكونُ الوَبالُ الحاصِلُ كُلُّه عليه، لا على المَأْمورِ؛ إنْ كانَ المَأْمورُ مَعذورًا بإكراهٍ ونَحْوِه. والمُحَصِّلةُ أنَّ طاعةَ الإمامِ تَكونُ فيما أمَرَ بما يُوافِقُ الشَّرعَ، أمَّا إذا أمَرَ بما يُخالِفُه فلا طاعةَ له في ذلك، ولكِنْ دُونَ الخُروجِ عليه، حتَّى تَظَلَّ كَلِمةُ المُسلِمينَ مُجتَمِعةً؛ فإنَّ الخِلافَ سَبَبٌ لِفَسادِ أحوالِهم في دِينِهم ودُنياهم، وكُلٌّ مِنَ الإمامِ والرَّعيَّةِ مَحكومانِ بما وَرَدَ في أوَّلِ الحَديثِ، وهو طاعةُ اللهِ ورَسولِه
وفي الحَديثِ: طاعةُ الأُمَراءِ، وتَجريمُ مَعصيَتِهم
وفيه: الحَثُّ على الصَّبرِ على جَوْرِ الوُلاةِ، ولُزومِ طاعَتِهم، وعَدَمِ الخُروجِ عليهم
وفيه: أنَّ القِتالَ يَنبَغي أنْ يَكونَ مِن خَلفِ إمامٍ وحاكِمٍ