مسند أبي هريرة رضي الله عنه 985
مسند احمد
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله عز وجل: كذبني عبدي ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، تكذيبه إياي أن يقول: فلن يعيدنا كما بدأنا، وأما شتمه إياي يقول: اتخذ [ص:532] الله ولدا، وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوا أحد "
الكُفرُ كلُّه ملَّةٌ واحِدةٌ، وإنَّما يَختَلِفُ في صُوَرِه؛ فجَميعُهم يَفْتري على اللهِ الكَذِبَ، ويُشرِكُ به ما لم يُنزِّلْ به سُلْطانًا، ومِن أقبَحِ مَقالاتِ المُشرِكينَ قَولُ النَّصارى: إنَّ للهِ ولَدًا، تعالَى عن ذلك عُلوًّا كَبيرًا، وقَولُ مُنْكِري البَعثِ
وفي هذا الحَديثِ القُدسيِّ الَّذي يَرْويه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ربِّه عزَّ وجلَّ، يقول ربُّ العزَّةِ: «كَذَّبَني ابنُ آدَمَ، ولم يكُنْ له ذلك، وشتَمَني، ولم يكُنْ له ذلك»، أي: لم يكُنْ له حقٌّ في ذلك، والتَّكذيبُ هو اتِّهامُ المُتكلِّمِ أنَّ خَبَرَه خِلافُ الواقِعِ، فأمَّا تَكْذيبُ ابنِ آدمَ للهِ تعالَى فزَعْمُه أنَّ المَوْلى سُبحانَه وتعالَى لا يَقدِرُ أنْ يُعيدَه مرَّةً أُخْرى بعْدَ مَوتِه، وهو القادرُ على ذلك سُبحانَه، وقد أخبَرَ اللهُ تعالَى أنَّه كما بَدأَ الخَلقَ سيُعيدُه مرَّةً أُخْرى، وهو على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، فقال تعالَى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]. والشَّتمُ هو وَصفُ الشَّخصِ بالنَّقائصِ والمَعايبِ، وأمَّا شَتمُ ابنِ آدَمَ للهِ فهو نِسبةُ الولَدِ له سُبحانَه وتعالَى، ويُعَدُّ هذا شَتْمًا في حقِّ اللهِ تعالَى؛ إذ إثْباتُ الولَدِ إنَّما يكونُ عن والدةٍ تَحمِلُه، ثمَّ تَضَعُه، ويَستَلزِمُ ذلك سَبْقَ النِّكاحِ، والنَّاكحُ يَستَدْعي باعثًا له وحاجةً تَطلُبُ ذلك، واللهُ سُبحانَه وتعالَى مُنَزَّهٌ عن جَميعِ ذلك، وممَّن قال بهذا اليَهودُ والنَّصارى، وادِّعاؤُهم أنَّ للهِ وَلدًا، سُبحانه وتعالى عن ذلك عُلوًّا كَبيرًا؛ فإنَّ اليَهودَ قالوا: عُزَيرٌ ابنُ اللهِ، والنَّصارى قالوا: عِيسى ابنُ اللهِ، ويَشمَلُ كذلك مَن قال مِن العَربِ: المَلائكةُ بناتُ اللهِ. ثمَّ قال اللهُ تعالَى: «فسُبْحاني أنْ أتَّخِذَ صاحِبةً أو ولَدًا!»، أي: تَنْزيهًا وتَطْهيرًا وتَعْظيمًا لي؛ تَنزَّهْتُ عنِ اتِّخاذِ الزَّوْجةِ أوِ الولَدِ، فنَزِّهوني عن ذلك، تعالَى اللهُ عمَّا يَقولُ الظَّالِمونَ عُلوًّا كَبيرًا. وقد ردَّ اللهُ على مَن زعَمَ أنَّه لا يُعيدُ الخَلقَ، وعلى مَن زعَمَ أنَّ له ولَدًا، في أكثَرَ مِن آيةٍ في كتابِه، منها قولُه: {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} إلى قولِه: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} [مريم: 66 - 89]
وفي الحَديثِ: حِلمُ اللهِ سُبحانَه على مَن تَطاوَلَ على مَقامِه العَليِّ منَ البشَرِ، وإمْهالُه سُبحانَه لهم